لبنان وسورية: شراكة الضرورة والاضطرار
غالب قنديل
بعيدا عن جميع مستويات البحث الاستراتيجي والعقائدي، التي تفسّر إيمان نخب سياسية وحزبية وكتل شعبية وازنة، ونضالها المتجدّد لتطوير علاقات تكاملية بين سورية ولبنان، تأتي حال الانهيار الاقتصادي والخراب الزاحف على جميع مظاهر الحياة الاقتصادية وسبل العيش في سائر المناطق اللبنانية، لتجدّد الحاجة السياسية والعملية إلى مبادرات عاجلة على خط بيروت – دمشق، تنتشل العلاقات من أسر الروتين والبلادة، في ظروف تستدعي سرعة الحركة والإنجاز العملي.
أولا: الشراكة في مجالات توليد الطاقة الكهربائية يمكن أن تخفّض الكلفة على البلدين، بإقامة محطات توليد ضخمة مشتركة سورية – لبنانية، وحيث يمكن أن يقدم الشريكان الروسي والإيراني معونة مضمونة وغير مرهقة في كلفتها، بحيث تتوافر التغذية الكهربائية بتقنيات متطورة، عبر شبكات التوزيع المحلية السورية واللبنانية بصورة كاملة ومنتظمة. وكلّ من روسيا وإيران يعلنان كلّ الاستعداد والتصميم في التضامن والتكاتف مع البلدين لدعم صمودهما، وبمجرد إدراج الملف على جداول البحث الثنائي ستظهر عروض عملية عاجلة وبعيدة المدى غير مكلفة ولا ترتّب أعباء راهنة على الخزينة اللبنانية والاقتصاد اللبناني. في حين تضع الدول الغربية، وخصوصا كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عينها على لبنان لخدمة دورها في ضمان مصالح الدولة العبرية، ورعاية وجودها ونفوذها على مساحة المنطقة، وهو ما تجاهران به علانية، وتنضح به المواقف المعلنة. وما خفي أعظم.
ثانيا: الشراكة في برامج التنمية الصناعية وتبادل الخبرات التقنية والهندسية، وهنا يحتاج لبنان الكثير لتطوير ما لديه من قطاعات نامية وواعدة، والاستفادة من خبرات الأشقاء، ومن سعة شبكاتهم التسويقية وشراكاتهم. ويشمل الأمر كحدّ أدنى فروع الصناعات الدوائية والتصنيع الغذائي من موارد زراعية وحيوانية متعدّدة، حيث تمتاز المنتجات السورية بجودة عالية ومشهودة. ويمكن لاجتماع الخبرات والكفاءات العلمية والتقنية والشراكات التسويقية في البلدين أن تنتج كثيرا من الفرص وتطور الابتكارات والمزايا والقيم المضافة. وما هو مطلوب تنظيم التعاون والعمل المشترك في أطر منظمة ترعاها المؤسسات الرسمية المعنية من خارج آليات الروتين البيروقراطي الخانق والبليد. ويفترض التعجيل بتنظيم منتديات حوار ونقاش سورية – لبنانية، تضم المعنيين من هيئات حكومية وخبراء ونقابات وجمعيات ذات صلة. ونقترح أن يكون أمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري مرجعية الرعاية والتنظيم والمتابعة التنفيذية لتوصيات اللقاءات المهنية والرسمية والمتخصصة في مختلف الشؤون والقضايا الاقتصادية الملحّة والمستقبلية، ولتحويل التوصيات إلى الحكومتين بسرعة.
ثالثا: التأخّر في المبادرة إلى البحث والنقاش والتواصل حول ملفات التعاون والشراكة اللبنانية – السورية الممكنة، هو هدر لفرص ثمينة، يحتاجها البلدان. ويمكن لنا أن نورد عشرات العناوين، التي نجد فيها فرصا للتعاون المثمر والبنّاء، في شراكات مجزية ونافعة وقابلة للتطوّر والتوسّع في الصناعة والزراعة والسياحة والطبابة والاستشفاء والري، وفي القطاع المصرفي. فالبعد التكاملي للتعاون بين البلدين سيوفر فرصا مهمة، بحيث تظهر كفاءة الدمج بين الخبرات والقدرات المنتجة والثروات والموارد، بمخرجات ذات قيم تفاضلية متميزة ومرتفعة. وينبغي الانتباه إلى أن الزمن مهم، وكلّما عجّلنا في التحرّك المشترك سرّعنا في اكتساب المزايا والتقاط الفرص. ولوائح المجالات والقطاعات، التي تنطوي على الفرص والمقدرات طويلة وشاملة. ويمكن بقليل من التبصّر العلمي والدراسة المتأنّية بلورة خطوات مذهلة في فتح آفاق رحبة للنمو والتطور بسرعة قياسية، واكتساب شراكات مجزية وصولا إلى الشرق الواسع، وحيث ستكون الشراكة مع سورية جواز مرور إلى شروط مناسبة، تراعي حاجاتنا ومصالحنا الحيوية وأولوياتنا.