من الصحافة الاميركية
احتلت الأحداث التاريخية في أفغانستان الصفحات الأولى لأبرز الصحف العالمية، وسط دهشة دولية من سرعة تهاوي منظومة حكمت البلاد بدعم أمريكي وغربي، على مدار العقدين الماضيين.
يندر في التاريخ الحديث أن ترتد كلمات صرح بها قائد عسكري أميركي أعلى لتلسعه بالسرعة التي حدثت مع الرئيس جو بايدن الذي صرح خلال مؤتمر صحفي قبل نحو 5 أسابيع بأنه “لن يكون هناك أي ظرف تشاهدون فيه انتشال الناس (لإجلائهم) من فوق سطح سفارة الولايات المتحدة في أفغانستان“.
هذا ما يراه الكاتب الصحفي الأميركي ديفيد سانجر، مراسل صحيفة نيويورك تايمز من البيت الأبيض وشؤون الأمن القومي، في تحليل بالصحيفة قال فيه إن بايدن أضاف، ليعمق مأزقه، أن “احتمال اجتياح طالبان لكل شيء وسيطرتها على البلد بأكمله أمر مستبعد للغاية“.
وقال سانجر، في التحليل الذي عنونه بـ “صور الهزيمة التي أراد بايدن أن يتجنبها”، إن انهيار الحكومة الأفغانية بسرعة مذهلة، يعني أنه بات من المؤكد أن طالبان ستحكم سيطرتها الكاملة على أفغانستان بحلول إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 تماما كما كانت قبل 20 عاما.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية فشلت في إخراج المترجمين وغيرهم من المدنيين الأفغان الذين ساعدوا القوات الأميركية من البلاد بالسرعة الكافية، رغم أن الرئيس الأميركي كان قد حدد في أبريل/نيسان الماضي ذكرى 11 هجمات سبتمبر/أيلول تاريخا للانسحاب الأميركي النهائي من أفغانستان.
كما أوضح الكاتب أن المسؤولين بإدارة بايدن كانوا يعتقدون أن لديهم متسعًا من الوقت، قدروه بحوالي 18 شهرًا أو نحو ذلك، وذلك بسبب التقديرات الاستخباراتية التي بالغت في تقدير قدرات الجيش الأفغاني الذي تفككت وحداته في أغلب الأحيان دون أن تطلق رصاصة.
واختتم بأنه وبغض النظر عن كون هذا الحكم منصفا أو غير منصف، فإن بايدن سيدخل التاريخ باعتباره الرئيس الذي أشرف على آخر عمل مُذِل في التجربة الأميركية في أفغانستان.
نشرت واشنطن بوست تقريرا عن الكيفية التي أعادت بها طالبان بناء نفسها، يقول إن الوجود الأميركي بحد ذاته في أفغانستان ساعدها على حشد الناس وراءها، وعن هدفها من الحكم يقول إنها تريد عودة إمارتها الإسلامية.
وسرد التقرير الذي كتبه مراسلها ديريك هوكينز من واشنطن تفاصيل ما حدث لطالبان وقادتها عقب الغزو الأميركي للبلاد في 2001، قائلا إنه بعد إطاحة حكمها تفرق أعضاؤها، ووجد بعض القادة ملاذا لهم في باكستان، حيث بدؤوا تحصين أنفسهم بمساعدة المؤسسة الأمنية الباكستانية.
وفي أفغانستان-يضيف التقرير- ساعد وجود القوات الأميركية على تزويد طالبان بطاقة لحشد الناس وتجنيدهم ضد الاستعمار، وكذلك فعل فساد الحكومة الأفغانية.
ونقل كاتب التقرير عن روبرت كروز الخبير في شؤون أفغانستان بجامعة ستانفورد قوله إن حركة طالبان كانت على مدى العقدين الماضيين تتقلص ببطء؛ قرية تلو الأخرى، لكنّ مسلحيها قاموا بإعادة ترتيب صفوفهم من خلال حملة من التخويف والعنف، إذ اغتيل المجندون في قوات الشرطة أو الجيش الوطني، كما استهدفوا المثقفين والصحفيين والإعلاميين وغيرهم ممن يمثلون الوجه الشاب للمجتمع المدني الأفغاني.
واستمر التقرير في سرده قائلا إن القوات الأفغانية بدأت تذبل بعد أن عانت صفوفها من عدم الكفاءة والفساد، في مواجهة تقدم طالبان، وأصبح الناس يتساءلون عما إذا كان أفضل لهم أن يموتوا من أجل إدارة لم ترسل لهم الذخيرة، ولا الرواتب، ولا الطعام منذ شهور.
يزعم التقرير أن طالبان كانت تحصل على التمويل من مصادر متنوعة، مثل تجارة الأفيون والمخدرات والتهريب، وفرض الضرائب على المزارعين والشركات الأخرى، وكذلك الخطف في بعض الأحيان للحصول على فدية.
ونسب إلى خبراء قولهم إنها كانت تحصل على تبرعات من مجموعة واسعة من المحسنين الذين يدعمون قضيتها أو ينظرون إليها على أنها رصيد مفيد.
ونقل عن كرمان بخاري من “معهد نيولاينس” (Newlines Institute) قوله إنهم ليسوا بحاجة إلى كثير من الأموال للعمل، لأنهم لا يعيشون في منازل كبيرة، ولا يرتدون ملابس فاخرة، فأكبر حساب هو الراتب والأسلحة والتدريب.
وعن الحصول على الأسلحة في منطقة غارقة فيها، ينقل التقرير عن بخاري قوله إن بعضها يأتي من التبرعات وبعضها يكون شراء، و”يُسرق الكثير”، وفي بعض المناطق القبلية، بما في ذلك باكستان، ظهرت “صناعة منزلية” من المسابك حيث يصمم العمال بنادق هجومية.
وينقل التقرير عن روبرت كروز قوله إنهم يريدون عودة إمارتهم الإسلامية إلى السلطة؛ يريدون تطبيق رؤيتهم للشريعة الإسلامية.
ويتابع كروز “لا يريدون برلمانا، ولا سياسة انتخابية، فلديهم أمير ولديهم مجلس ملالي؛ هذه هي الرؤية التي يرون أنها الأفضل للإسلام”.