انكسار الاحتلال الأميركي لأفغانستان
غالب قنديل
ما حدث في أفغانستان هو هزيمة أميركية واضحة، وانهيار لسلطة عميلة، نصّبها الغزاة المستعمرون الغاصبون منذ قدومهم إلى هذا البلد، الذي حاولوا إعطاء احتلالهم له صفة ما انتحلوا له اسم التدخل الإنساني، وهو ما استنسخوه في احتلال العراق. ولكن الوقائع أكدت بالتجربة جوهر حروب الاستعمار اللصوصية، ومحورها الاحتلال والنهب والاغتصاب، وبسط النفوذ والهيمنة، وليس أي شيء آخر مما تزعمه الخرافة الأميركية المعاصرة، ويكرّره أذناب الاستعمار و”بغاله” في العالم الثالث وفي منطقتنا العربية المنكوبة بتلف النخب وانخلاعها.
أولا: حقيقة اندحار الاحتلال الاستعماري هي الأهم والأبرز، وهذا هو التوصيف العلمي الدقيق للمشهد، الذي سعت الدعاية الأميركية الغربية، منذ اجتياح هذا البلد، أن تنسب له صفة إنسانية، ولفقت له وظائف بذرائع شتى. ويجب أن نتذكّر جيدا كيف حضر شياطين الاستعمار الأميركي وعملاء الاستخبارات من الأبواق والكتبة المأجورين في منطقتنا، وعبر الإعلام العالمي والعربي، صورة ما عُرف ببدعة “التدخّل الإنساني” عشية احتلال العراق، باستنساخ النموذج الأفغاني. ولنتذكّر جيدا كيف كانت المقاومة اللبنانية، ببصيرة ووعي قائدها التحرّري المناضل، سباقة في إعلان موقف جريء وشجاع، يعلي المبادئ على الاختلاف السياسي والعقائدي. فوقف هذا القائد التحرّري بشجاعة ليدين الغزو والاحتلال، بل وليفتح فرصة لمخارج لائقة، تحمي العراق، وتجنبه الكارثة، التي أورثها الغزو والاحتلال وحماقات سلطة غاشمة تمادت في الاستلاب والارتهان الاستعماري حتى الرمق الأخير.
ثانيا: سيكون مستقبل هذا البلد الشرقي في عهدة شعبه وديناميته الوطنية، والمواقف الدولية المبنية على احترام مشيئة الشعب الأفغاني وحقّه في تقرير مصيره ومستقبله تأخذ بالعبرة التاريخية، التي تنسجم أخلاقيا وسياسيا مع مفهوم حقّ تقرير المصير وأعرافه السياسية والأخلاقية، التي يُفترض ردّ الاعتبار لها بعدما هشّمتها الدول الغربية الاستعمارية منذ اغتصاب فلسطين، وأنعشتها مع غزو أفغانستان واحتلالها، لفرض أعراف، تعطي الإمبراطورية الأميركية، والغرب عموما، صفة السلطان المتحكّم بشعوب العالم ومصائر بلدانها، وقد أَعَدّت في المختبر الأفغاني سيناريو اجتياح العراق. وانهيار هذه الحقبة ونهايتها يمثّلان بشارة سعيدة للعالم المعاصر وللقيم الإنسانية المبنية على رفض التدخلات العدوانية والإملاءات القهرية بأي ذريعة كانت، وهي تعطي زخما جديدا لمبادئ رفض الاحتلال واحترام حقّ تقرير المصير دون قيد أو شرط، وهو الموقف المبدئي الحقوقي والأخلاقي، الذي يجب أن نمنع تجاوزه، ونرفض الانتقاص منه.
ثالثا: كانت البؤرة الأفغانية هي المختبر الأميركي لتأصيل بذرة التوحّش، التي أعاد الاستعمار توظيفها في غزوته لمنطقتنا، ومن خلال نسخة داعش التي أطلقها في سورية والعراق عندما فشل في إسقاط القلعة السورية القومية الحرة وإخضاعها. ونستطيع الاستنتاج في استرجاع أحداث ووقائع العشرين عاما الماضية أن الغاية الأميركية الغربية كانت منع مسار نموٍ وتطورٍّ اقتصادي واعد لبؤر تحرّر واستقلال، أقلقت الغرب الاستعماري وأوكاره الاستخباراتية المجرمة. ويمكننا الجزم باليقين العلمي أن القلعة السورية كانت بيت القصيد في ذلك المسار من التدبير الغربي الخبيث، الذي جنّدوا فيه حشدا من الحكومات التابعة والأبواق العميلة والصحف الصفراء والأقلام والعقول المنفوطة المأجورة لتسميم الوعي.
إن أخطر ما وُظّفت فيه الحرب الأفغانية، هو مخطّط تبييض السمعة والصورة الأميركية الخبيثة اللئيمة في وعي الشعوب وإدراكها، وينبغي ردّ الاعتبار لهذه الحقيقة، وفضح الغايات اللصوصية التي استبطنت احتلال هذا البلد الآسيوي وتحويله إلى مختبر لإنتاج أدوات تدمير وتوحّش، وكيف موّل الأميركيون مختبرهم بالنفط العربي وعائداته بفضل الحكومات العميلة.