كفى عويلا وتفجّعا ولنفكر في الحلول
غالب قنديل
تسود نبرة التفجّع سائر المصنّفات والتعبيرات السياسية والإعلامية، وتحولت مطالعة الصحف ومتابعة نشرات الأخبار وتصريحات الساسة إلى طقس شديد الكآبة والحزن، يعمق إحساس المتابع باليأس والقرف من أحوال البلد من غير بارقة أمل واحدة والحصيلة في علم النفس الجماهيري دفع الناس في طريق اليأس المقفل وحثّ الأفراد على خيارات الهجرة والانكفاء الفردي والاحباط وانعدام الأمل بالمستقبل، بل والتيه في دوامة شرود تقارب الكفر بالقيم الوطنية والإنسانية واليأس من إحداث نقلة ما تبدّل الحال وتنهي الدوامة السقيمة.
أولا: لا يمكن صناعة الأمل في تاريخ الشعوب أمام الكوارث والنكبات سوى بمشاريع وأفكار نهضوية واعدة، تلبي الضرورات بواقعية، وتنعش التطلعات المستقبلية الخلاقة بخطوات ممكنة التحقق، فتولّد الاندفاع في التحرك لتنفيذها. وهذا ما تجسّده حماسة شعبية، تعمّقها الإنجازات وعوائدها المفيدة الملموسة. وبقليل من حسّ الاستشراف والتطلّع الطموح يمكن للبنانيين ابتكار الكثير، وأن يفتحوا آفاقا ومجالات واسعة للنمو والتقدم بعد هذه الكارثة، التي دفعتهم إلى قعر سحيق لم يخطر على خيال.
وأول الطريق، هو إنعاش حسّ التضامن الوطني والايمان باستحالة الخروج من المحنة ممزقين متناحرين، أو على الأقل دون تلاقي غالبية موصوفة راجحة، تتحول إلى كتلة صانعة لمستقبل جديد، وتستطيع شلّ وتهميش النشاز، الذي يعترض طريقها في الداخل ومقاومة الضغوط ومحاولات التخريب، التي يمارسها الخارج المعادي بهدف العرقلة والإخضاع والهيمنة.
ثانيا: البرنامج الواقعي للخلاص الوطني، هو الرافعة التي تستنهض وتجمع الناس حول أمل واقعي، لا يلبث أن يتفتح ويترسّخ بقوة الإنجازات وبالتقاط جميع الفرص وتوفير مستلزمات تلبيتها والتضامن في تذليل العقبات وإزاحتها. وبعد الانهيار الذي أصاب بلادنا وشعبنا علينا التحرّك بواقعية في طريق الاعتماد على طاقاتنا المنتجة في مجالات الزراعة والصناعة بواقعية وتواضع، وبلورة خطط وبرامج مناسبة واختيار الشراكات المناسبة دون مواقف مسبقة ومعلّبة وبانفتاح كلي على مقارنة الشروط والمواصفات لاختيار الأنسب لمصالحنا الوطنية والأفضل في تناسب الكلفة والعائدات وسرعة الجدوى.
فالزمن مكلف، وهو قيمة تحتسب في مثل ظروفنا. ومن أشدّ ما يؤلمنا هو التباطؤ والإهمال في تعامل الواقع السياسي والحكومي مع فرص واعدة وعروض سخية، حرّكتها حميّة الصداقة والأخوة المشرقية، طُرحت من روسيا وإيران، وهي غير مشروطة سياسيا ومربحة اقتصاديا وتحقق نقلات جبارة في واقعنا ومستقبلنا، ويجب تذليل العقبات من طريقها بكلّ حزم.
ثالثا: لا ندعو لتعليق المعالجات الممكنة والمتداولة، ولذا نأمل التعجيل في تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة، لتنطلق عجلة العمل الجدي بالمثابرة المطلوبة. بل إن الواجب هو التضامن حول الحكومة الجديدة ومواكبة تشاطها وحثّها بمشاركتها المسؤولية من جميع المواقع الوطنية الممكنة اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا. فلن نتخطى الحالة الكئيبة سوى بفرح الإنجازات، وهذا ليس مستحيلا ولا ممتنعا، وطريق انتزاعه يبدأ بالوعي والإرادة وتعيين الأهداف ووضع الخطط الواقعية. وندعو بالمناسبة إلى التحلي بالحكمة والبصيرة والصبر، عبر تحويل الاختلاف في الاجتهادات إلى تنوع تفاعلي، يغني ويثري النقاش الوطني حول الفرص المتاحة بالتخلي عن النزق والحدّية، عبر عزل وتهميش المرضى بهذه الأوبئة من الساسة والإعلاميين، لأنهم مصدر استنزاف للطاقات والجهود وتضييع للأولويات في حشرة الزمن والتحديات الداهمة.
صناعة الأمل بالمستقبل في حياة الشعوب تقتضي رسم أهداف ممكنة، والتحرك نحوها بثبات، والسعي بكلّ حزم وجدية لتذليل العقبات وتخطي الصعوبات، وهذا ما نحتاجه في مجابهة الكارثة الخطيرة، بينما الصراخ والعويل يفاقمان الضياع والغيبوبة خلال التدحرج في الهوّة.