التوحّش والفجور الإعلامي في زمن الكارثة
غالب قنديل
كرّس بعض الإعلام اللبناني ابتكارات فريدة من نوعها، ولامثيل لها في العالم، ويحقّ لروادها المفاخرة بفرادة التصنيع المتواصل للكذب، وبابتكار أنماط غير معروفة في العالم على صعيد الخلط بين المعلومات والمواقف والتشهير بالخصوم والمستهدفين تحت الطلب في صياغات، تنتحل صفةً خبرية ملفّقة.
أولا: شكّل الانهيار المالي والاقتصادي بشارة سانحة للجهات الخارجية والمحلية الساعية إلى شراء مساحات من الهواء السياسي، لتنظيم تدخّلات مدبّرة وفي لعبة خبيثة ومؤذية، يقوم مالكو وسائل مرئية مسموعة بتقديم خدماتهم على المكشوف ، بفجور غير مسبوق لجهات شارية داخلية وخارجية، متذرّعين بالحاجة للمال في زمن شحٍّ إعلاني وركود اقتصادي، ما يجعل المحتوى الإعلامي أشدّ جلافة وتوحشا وقسوة في انتهاكه للمعايير القانونية والأعراف المهنية. وتتفشّى في هذه الظروف نماذج غريبة من الصفاقة والفجور السياسي والتخلّع المهني. وقد باتت الجريمة المرتكبة مزدوجة في محتواها، لتصبح فعلا شائنا. ومن الواضح أن بعض مالكي وسائل الإعلام المرئي والمسموع يتذرّعون بالكارثة الاقتصادية والمالية لتخطّي جميع الحدود والضوابط.
ثانيا: تتفشّى أنماط تحريض فتنوي فاجر، وهذا أدعى إلى منع التمادي الخطير عبر تحرّك السلطتين التشريعية والتنفيذية لمواكبة الكارثة بخطوات وقرارات عملية مؤثّرة، تسهم في ردع تلك الانحرافات الخطيرة، وتغليب منطق التضامن في الاحتواء والمعالجة، بموازاة منع الاستثمار الإعلامي، وخنق من يريد توظيف الأحداث في تدمير البلد وإحراقه، عبر التحريض المنظّم لتحويل النقمة والتذمّر إلى شحنات تصادم داخلي، والمساهمة في خلق بيئة مواتية لتجنيد المتضرّرين في شبكات التخريب وعصابات الإرهاب. وما يجب أن ننبّه الواقع السياسي إليه، هو أننا نواجه مشكلة مركبة اقتصادية اجتماعية سياسية وإعلامية وأمنية، تستدعي نفيرا متعدد المستويات، وخطّة احتواء ومعالجة شاملة وجذرية. وهذا ما ليس حتى تاريخه في أولويات الواقع السياسي بجميع تياراته وأطرافه، بكل أسف، والغفلة هي أقصر الطرق إلى الكوارث ومفاجآتها غير السعيدة.
ثالثا: في جميع الظروف الاستثنائية تتّخذ المجتمعات والحكومات خطوات وتدابير استثنائية لحماية الأمن الوطني والاستقرار، ومنع المسّ بالوحدة الوطنية، ولخنق الفتن وشلّ محركيها. وينبغي أن نذكّر الجهات المعنية صراحة، بحساسية المستوى الإعلامي في احتواء المخاطر المحدقة، التي تهدّد بتحويل الكارثة إلى اضطراب أمني وسياسي شامل، قد يعصف بكلّ شيء، بما في ذلك مقومات ومرتكزات الإنقاذ وفرص الخلاص الممكن. ويستحيل في واقعنا الراهن التقدّم في هذا الاتجاه دون استجابة الإعلام بجميع وسائله لجدول الأولويات وللتحديات الراهنة. بينما يحتاج اللبنانيون في سبيل تخطّي الكارثة إلى خطّة إعلامية مواكبة، تسهم فيها سائر قطاعات الإعلام ووسائله، ومن خلال تضافر جهود الأسرة الإعلامية بكاملها في تعبئة واستنفار سائر قطاعات المجتمع، لتخطي الكارثة، وتجاوز الانهيار الشامل عبر الانخراط في عملية إعادة البناء.