من الصحافة الاميركية
يبدو أن الانقلاب على الدستور الذي قام به الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الأسبوع، محاولة واضحة لاستبدال النظام الديمقراطي الهش في تونس بحكم الرجل القوي، فهو يلبي رغبات ملايين التونسيين الذين خاب أملهم في ديمقراطيتهم الهشة التي كشف تفشي جائحة كورونا عجزها.
هذا ما يراه الروائي والأكاديمي المصري عز الدين فشير في مقال له بصحيفة واشنطن بوست أبرز في بدايته أن تجربة دول عربية أثبتت أنه رغم أن حكم الرجل القوي يمكن أن يحقق مستوى من الاستقرار والتقدم على المدى القصير، فإنه لا يستطيع حل مشاكل البلاد المتجذرة.
وقال إنه رغم الإصلاحات التي تحققت في هذه البلاد، فإن العنف المرتبط بتلك الإصلاحات تسبب في مستوى من التوتر شكل تهديدا لمجتمعاتها.
وأوضح أن الحكام المستبدين يشجعون الرأسماليين المحسوبين عليهم فحسب وليس قوى السوق المستقلة القادرة على تحقيق النمو المستدام، وأن الأنظمة الدكتاتورية في البلاد العربية تعمد إلى تدمير أي رأس مال يتمتع بالاستقلال، خلافا للدكتاتوريات في كوريا الجنوبية وتشيلي التي قامت ببناء اقتصادات السوق لأنها كانت متحالفة مع القوى المسيطرة عليه.
وأشار الكاتب إلى أن من ضمن مشاكل الأنظمة الاستبدادية العديدة اعتمادها على المحسوبية والخوف للسيطرة على مؤسسات الدولة، ولذلك تعمد إلى تقديم الولاء على الأداء والامتثال على التفكير النقدي، كما تسلب مؤسسات الدولة استقلالها وتحولها إلى أدوات طيعة في يد الحاكم.
وقال إن قيس سعيد الأستاذ الجامعي الذي لا يتمتع بدعم مؤسسي، يعد زعيما أضعف بكثير من غيره من الدكتاتوريين في المنطقة، وقد يتمكن من تقديم بعض العون لملايين التونسيين الذين يعانون جراء الوضع الاقتصادي إذا حصل على دعم قطاع الأمن التونسي وعلى دعم أجنبي كافٍ، كما يمكنه أن يلهب حماس الشباب التونسي بخطابه المناهض لإسرائيل.
لكنه لن يستطيع فعل الكثير حيال التحديات عميقة الجذور التي تعاني منها بلاده، بما في ذلك افتقار السوق للقوى المستقلة، وغياب المؤسسات العقلانية المستقلة، وكذلك غياب ريادة الأعمال والتفكير الإبداعي، والأنظمة السياسية التي تشمل الجميع.
وختم عز الدين فشير مقاله بأن النقاط المذكورة آنفا هي المشاكل التي ترجع إليها حالة الهشاشة والاستبداد التي ترزح تحتها الدول العربية، حتى تلك التي تدعي أنها مستنيرة تساهم في تفاقمها.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لكارلوتا غال، قالت فيه إن تونس التي قادت ثورة وأطاحت بديكتاتور عام 2011، وأشعلت لهيب الربيع العربي تجاهل الغرب مشاكلها الاقتصادية، مركّزا بدلا من ذلك على “التطرف“.
وقالت الصحيفة إن تونس بعد عشرة أعوام من الثورة الشعبية فهي لا تزال تعتبر قصة النجاح الوحيدة التي ظهرت من اضطرابات ذلك العصر، فقد رفضت التطرف والحروب المفتوحة ومنعت الثورات المضادة وحصل قادة المجتمع المدني فيها على جائزة نوبل للسلام لدورهم في بناء الإجماع.
ورغم كل الثناء فإن تونس البلد الصغير في شمال أفريقيا والذي لا يتجاوز عدد سكانه الـ11 مليون نسمة لم يكن قادرا على حل المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي قادت إلى الانتفاضة في المقام الأول. ولم يحصل على دعم غربي مؤكد، وهو أمر ربما ساعد على عملية الانتقال من ظلم الديكتاتورية إلى ازدهار الديمقراطية.
ويقول محللون وناشطون إن الغرب تجاوز في اللحظة الحرجة للتحول ومحاولة تونس إعادة البناء، الكثير من احتياجاتها الماسة مركزا بدلا من ذلك على قتال ما أسموه “التطرف الإسلامي”.
واليوم يواجه التونسيون آخر الاضطرابات التي بدأت عندما قام الرئيس قيس سعيد بعزل رئيس الوزراء وتعليق البرلمان، وهي إجراءات قسمت التونسيين بين داعم وشاجب. وانقسمت الأحزاب السياسية حول قانونية سيطرته التنفيذية على السلطة فيما يحاول الناشطون ودعاة حقوق الإنسان الحفاظ على سيادة تونس وبقاء أهداف ثورة 2011 حية، ودعوا العالم الخارجي إلى مراقبة ورصد التطورات في البلد، لكن حقيقة ترحيب التونسيين الذين ملوا من قادتهم وسط أزمة اقتصادية عميقة وموجة وباء هي إشارة عن الأوضاع السيئة التي وصلت إليها البلاد.
ونقلت الصحيفة عن فاضل قابوب، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوهايو، قوله: “حققنا تقدما ضخما على صعيد الحرية والجبهة السياسية رغم كل الأزمات، ولكننا أبقينا على نفس النظام الإقتصادي الذي أنتج عدم المساواة وأزمة الدين التي أدت إلى استبعاد اجتماعي اقتصادي ثار عليه الشعب”.
ويعتبر قابوب واحدا من عدة تونسيين يتساءلون عن الطريقة المألوفة التي يتعامل فيها الغرب مع حالات الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. ويقولون إن النهج أنتج مجموعات مصالح مالية وثورات مضادة. وفي الأسواق الناشئة أدى إلى فورة في التقدم الاقتصادي تبعتها عودة إلى الضعف.
وفي تونس يقول قابوب إن “العاصفة التامة على الجبهة الاقتصادية” تتجمع منذ وقت. ومشكلة تونس الكبرى هي الدين الخارجي الذي ورثته عن الديكتاتورية السابقة. ومن أجل خدمة الدين أجبرت الحكومات المتعاقبة للتركيز على توفير العملة الصعبة.