أفكار غير مألوفة لزمن غير عادي
غالب قنديل
ماذا ينتظر العقل السياسي والواقع الإعلامي اللبناني أكثر من الانهيار، وأفدح من الكارثة الاقتصادية الاجتماعية الشاملة حتى تخرج ايقاعاته عن الرتابة المعتادة، ؟ ومتى يتوقف العلك والاجترار السقيم، وأين هي الابتكارات والاقتراحات الجديدة، وهل أكل العفن وعثّ الركود خلايا الابتكار وبوادر الخلق والتخيّل، فساد الخبل الوطني العام، في انخلاع شامل داخل متاهة الارتهان والخضوع للهيمنة، وعته الدوران في حلقة وصفات الصناديق والوكالات الحارسة لمنظومة اللصوصية العالمية الكبرى؟.
الممكن والواقعي والمتواضع من التدابير والخطرات العملية ليس صعبا ولا مستحيلا ونوجز بما يلي بعض العناوين التي يمكن العمل عليها كبرنامج إنقاذي انتقالي.
أولا: إلغاء جميع الوكالات الحصرية. وهذه الخطوة باتت ضرورة لتخطّي الكارثة، ناهيك عن النهوض من جديد ومواكبة مسار التطور الاقتصادي والمنافسة من حولنا. وقد آن الأوان لتريحنا وتستريح شريحة وسطاء وسماسرة مرتبطة بالشركات الاحتكارية العالمية، حصدت ثروات هائلة في دور غير منتج، تداخلت ضمن سياقه خدمات استخبارات وسياسية للحكومات الأجنبية على حساب لبنان، ونهبت خيرات عقود من الازدهار. ومعظم ثروات هذه الشريحة ومدخراتها في الخارج عند السيد الأجنبي وفي بنوكه وشركاته.
ثانيا: إلغاء جميع الضرائب والرسوم على المشاريع الصناعية والزراعية الجديدة لفترة لا تقلّ عن عشر سنوات. وهذه خطوة لا بدّ منها لتيسير التراكم الوطني للثروة، وإعادة تكوينها، وبحيث يتاح تأسيس المعامل والمنشآت الصناعية الجديدة في سائر المناطق اللبنانية. وهو ما يفعّل حركة الإنتاج والتنمية في الريف، ويساعد في التكييف المنهجي الهادئ للبنية الإسكانية، وردم الهوة تراكميا وبهدوء بين التجمعات الحضرية المدينية والأرياف، ويحدّ على المدى المتوسط تدريجيا من اكتظاظ المدن والضواحي، كما ينعش المناطق الريفية، ويحيي فيها فرص استثمار وتوظيف وخدمات مواكبة.
ثالثا: الحماية الجمركية للإنتاج الوطني. ونقترح فرض رسوم جمركية مرتفعة لعشر سنوات على أي سلعة مستوردة منافسة لمنتج وطني، مما يتيح نموا آمنا للصناعة والزراعة. وليس صحيحا أن العلاقات التجارية في العالم تخطّت هذه القاعدة، بل إن العديد من الدول المتقدمة تفرض أسوارا عالية من الحماية لمنتجاتها الوطنية، وهي تخصّص موازنات ضخمة، تساهم فيها في تمويل الإنتاج والتسويق الخارجي للسلع التي تنتجها شركاتها الوطنية. وليسأل جهابذة الاقتصاد الحر اللبنانيون عن قيود تسويق السيارات الأوروبية واليابانية داخل الولايات المتحدة. وليسألوا أيضا كيف وضعت السلطات الأميركية شروطا ومواصفات تقنية وعملية، فرضت على صانعي السيارات الأوروبية واليابانية استحداث معامل منتجة داخل الولايات المتحدة.
رابعا: رقابة الجودة. وهذا أمر يتطلب مؤسسة متخصصة، تضم خبراء، ولديها التجهيزات التقنية والمعدات التي تمكّنها من فحص السلع المنتجة، واصدار شهادات الصلاحية قبل الإذن بتسويقها. وهذه الرقابة يمكن أن تكون بالشراكة مع جهات نقابية وشعبية إلى جانب الجهات الحكومية. وهذا الملف تحكمه فوضى وعشوائية بفعل قصور الجهات الحكومية المظلومة والمخنوقة، رغم كفاءة وأهلية معظم العاملين فيها وحسهم الوطني. وهذا الواقع المؤسف هو نتاج عقلية الإباحية التجارية الفظة المنافية لأبسط القيم الإنسانية المعاصرة، والانخلاع الإباحي المعمّم في نظامنا المتعفن.
خامسا: حوافز ضريبية للاستثمار والتمويل لفترة زمنية معقولة بعد التأسيس الفعلي للمشاريع مع الصرامة الواجبة لردع التحايل والخداع الذي يتقنه سماسرة نظامنا العتيد. والتجارب المعاصرة في جميع بلدان العالم ارتبط فيها نموّ الاستثمارات وتطوّر وفق أولويات تتضمنها قوانين خاصة، قُيِّدت اعفاءاتها بمدة زمنية ضرورية لانطلاق التراكم، بعد التأسيس والرسملة الضرورية لأي منشأة صناعية أو زراعية حديثة العهد.
سادسا: إعفاءات جمركية للمعدات الصناعية والزراعية والمواد المستخدمة في الإنتاج، التي لا تتوافر معادلاتها الوطنية المنتجة محليا. وغاية هذا التدبير خفض كلفة الإنتاج والرسملة التراكمية للمشاريع المحدثة وتحفيز قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة وهذا الأمر يجب ان يترافق مع رقابة صارمة تمنع أي تسرّب أو تحايل. ولا بدّ من سن قانون صارم بغرامات ثقيلة تردع المخالفات والخروقات، وتعاقب المرتكبين. فما هو مهدّد بمخالفاتهم ثروة الوطن والشعب ومستقبل الأجيال المنتجة.
سابعا إعفاءات خاصة وشاملة للإنتاج التلفزيوني والسينمائي والموسيقي والإذاعي وحوافز ضريبية للاستثمار العربي في هذا المجال، بحيث يتمّ توظيف القيم المضافة، لتعظيم العائد الوطني، وزيادة فرص العمل، مع متابعة جودة الإنتاج والتزامه بالمعايير والضوابط المنصوص عليها في الدستور والقوانين، خصوصا ما يتّصل بحظر الترويج للعدو الصهيوني وللمفردات الطائفية والمذهبية والعنصرية والتمييز ضد المرأة وينبغي امتلاك يقظة رقابية ماليا لمنع التسرب الصهيوني المقنع تحت ثوب الاستثمار.