ثالوث الوصاية يستثمر الكارثة
غالب قنديل
تعامل بعض الإعلام والنادي السياسي في لبنان مع خبر الاجتماع الأميركي الفرنسي السعودي باعتباره بشارة سعيدة بقرب “الفرج”. وقد قيل إن البحث خلاله تناول سبل مساعدة لبنان في الخروج من الكارثة الاقتصادية والمالية، وبُسطت ملفات التعثّر الحكومي واحتواء الانهيار على طاولة السفراء الثلاثة علانية، وفق بيان رسمي، وفي غياب أي مسؤول لبناني. واليقين ان مكاتب معظم المسؤولين كانت تتسقّط أخبار اجتماع القناصل، وتلتقط رذاذ المعلومات المتناثرة في الأثير علّها تروي غليل القادة الغافلين.
أولا: ليس أدلّ على الكارثة السحيقة والويل القادم من هوية هذا المثلث، الذي يجمعه اعتبار لبنان ساحة نشاط استخباراتي في المنطقة، طالما استخدموها وعملوا عبرها لمصلحة الكيان الصهيوني في خطط تآمر وتخريب على مدى جغرافية الشرق الكبير، وبناء شبكات، وتنفيذ عمليات ممتدة بين بلدان الشرق العربي، حتى سُمّي لبنان منذ نكبة فلسطين بوكر الاستعمار الغربي ومخابراته في الشرق، وحيث كان المال السعودي يتكّفل بمنصات إعلامية لبنانية تخدم مجمع الغرب المهيمن من بيروت، وتخدم معاركه ضد قوى التحرر القومية وإشعاعها في المنطقة. ورغم كلّ ما تغير في الإقليم وفي لبنان نفسه، ما يزال وطن الأرز بؤرة الاستخبارات الأجنبية الأولى في المشرق.
ثانيا: تتبدّى للمراقب الخبير والمتابع الحصيف مظاهر استثمار كثيرة سياسية ومخابراتية في الانهيار اللبناني، بحيث انخفضت تكاليف تجنيد العملاء وتشغيلهم، وتيسرت عمليات الاختراق وبناء الشبكات واصطياد الجواسيس وتجنيد وسائل الإعلام والصحف وشراء الأقلام والوجوه والأصوات. ومن يرصد الصحف ويتابع الأثير المرئي والمسموع يجد تكثيفا لحملات الترويج والتدخّل المبرمجة، التي يحركها أخطبوط المخبرين والقناصل بصورة غير مسبوقة. وبقدر ما تهتمّ المنصات الأجنبية والعربية باختراق لبنان لتنفّذ خططها السياسية والمخابراتية في الإقليم، توهم عملاءها في لبنان أنهم الغاية والموضوع، وهذا من قواعد وتقنيات التجنيد والتوظيف القديمة في عمل الأخطبوط الاستعماري وخططه المتحورة حسب الظروف والتوازنات المحلية والإقليمية.
ثالثا: إن انتشال البلد من الانهيار يرتبط برؤية اقتصادية جديدة وخطة لإعادة البناء الوطني، تدعم السيادة والاستقلال، وتطلق المقدّرات الاقتصادية والبشرية المنتجة إلى مساحة فعل وإشعاع ودينامية في البيئة الإقليمية بشراكات منتجة ومتكافئة ومصالح مشتركة، توفّر لحمة وانسجاما مع إخوة الشرق، وهذا ما ليس بالضرورة في رؤيتنا انطلاقا للطلاق أو القطيعة مع الغرب، لكنه أساس اقتصادي وسياسي واستراتيجي لتصحيح تلك العلاقات، وكسر طوق سميك خانق من ترسّبات عهود استتباع وهيمنة، حانت ساعة إنهائها وتصحيح التاريخ اللبناني المعاصر بتنقية مساره من مذلّة الإلحاق وبؤس النهب والتحكم، وسيكون لبنان بذلك أقدر على النمو والتطور بقدراته الذاتية وبشراكات ندّية مجزية.