تخطّي الكارثة وتحدّي التفكير الجديد
غالب قنديل
يترنّح العقل السياسي اللبناني السائد في حلقة إفلاس وعجز سقيم، بينما يطمس أو يتفّه كلّ فكرة أو مبادرة من خارج سِوار الخنوع للهيمنة اللصوصية الغربية الأميركية، ويبتكر سيلا من الذرائع لخنق المبادرات ولإخماد أي أمل في كسر الطوق والتحرّر من الهيمنة التي ولّدت الانهيار وأوصلت إلى الكارثة.
أولا: منذ تدمير نواة مشاغل الحرير وتربية دود القز وزراعة شجر التوت في جبل لبنان فرض الغرب اللصوصي رؤية، ورسم سقوفا حكمت البنى السياسية والاقتصادية اللبنانية، بعد ما سمّي ضمّ الأقضية لتأسيس الكيان، وتزكية نخبه الخاضعة للهيمنة. وتوارثت الحكم وروابطَ العمالة للأجنبي بنسخها المتجددة عن وجهاء القرون الماضية منذ الاستعمار العثماني حتى الانتداب الفرنسي، وفي ما سمي بالعهد الاستقلالي الممتد حتى اليوم، الجماعاتُ السياسية المختارة من وجهاء الصالونات وزوار السفارات وأزلام القناصل والاستخبارات ووكلاء الشركات الأجنبية وتجار السلاح، الذين هم قوام النادي المكرّس لإنتاج الحكومات.
ثانيا: شكّلت الطائفية والعصبيات الراسخة الحصن الحصين لهذه البنية، التي احتمت بها، وحوّلت كل إرهاص للثورة أو الإصلاح والتغيير والتحرّر إلى فتنة أهلية دموية، بضم جموع من فقراء الطوائف خلف أهل النظام وعملاء الأجنبي، ورسمت في التسويات الأهلية سقوفا مانعة لتجذّر نزعة الاستقلال والتحرّر، فجعلت المساكنة بين التحرّر والعمالة ضرورة سلم أهلي، حتى لا يتحوّل التصادم الكبير في المنطقة إلى حمامات دم لبنانية على المفترقات الدولية الإقليمية الكبرى. ورغم نهوض قوة وطنية تحرّرية جديدة، تسهم منذ التحرير ونصر تموز، ما يزال لبنان أسير الهيمنة مستنزفا مخنوقا محاصرا بطابور العملاء المانع للتوجّه شرقا وكسر الحصار.
ثالثا: أمام التحدي المصيري الخانق اقتصاديا، ومن خلال ملحمة المقاومة والتحرّر المتواصلة، ينبغي إطلاق مسار جديد بمبادرة وطنية شعبية، تهدم الحواجز الافتراضية، وتنهض لتغيير المعادلة السياسية بروح المقاومة والتحدّي بالتوجّه شرقا، وتوليد تيار شعبي هادر مهيأ لاجتياح السدود وجرف المعرقلين في البنى السياسية العفنة. وهذا سياق تاريخي لاندماج التحرّر الوطني والتغيير السياسي التقدمي، ينبغي أن تتلاقى لشقّ مساره وتقدّمه، نخب لبنانية، علينا البحث عنها، والدعوة لاجتماعها وتلاقيها عبر الخنادق السياسية والعقائدية التقليدية، في مخاض تَشكّلِ كتلة شعبية ثورية جديدة قادرة على فرض التغيير والخلاص.