هدر الزمن وكلفة البلادة والتخلّف
غالب قنديل
مثّلت النسبية ثورة علمية، وهي حاضنة تحولات ضخمة وعظيمة في جميع المجالات، وليس فحسب في الهندسة وعلوم الحركة الديناميكية، وما اشتقّ عنها من ثورة علمية وتطوّر هائل صناعي وتكنولوجي، تتنعّم به الإنسانية المعاصرة، التي يحاصرها ترسّب التوحّش وانبعاثه بقوة الطبقات اللصوصية الجشعة، التي تستنزف الثروات الطبيعية، وتضع سقوفا مانعة للتنمية والعدالة، وتقيم سلطانها على حماية النهب والتفاوت الاجتماعي القهري. فكيف الحال عندما يقع التغوّل والتوحّش اللصوصي على شفا كارثة وهاوية وخراب شامل، بينما يمنع الأجلاف جميع مبادرات الخلاص والإنقاذ لحماية منافعهم الرخيصة، وأطماعهم التي تهلك شعبهم وبلدهم، وهم يتغطّون بأقنعة تفتيت قاتلة، وبسموم فتنة سوداء.
أولا: يثير غياب المبادرات العملية الاستغراب والتعجّب لدى الناس الملسوعين المحروقين، وهم أكثرية ساحقة وموصوفة عابرة للنسيج الوطني، ينتصب سور سميك وشاهق يعزل أنينها وصرخاتها عن مسامع اوساط عديدة، تنتمي إلى الوطن ذاته والنسيج الاجتماعي نفسه، وتمرّ الأيام على مدار فجيعة زاحفة، وتبلغ شفا هاوية وشيكةن فلا يرفّ جفن لمن أدمنوا الارتهان للسيد الأجنبي، الذي يحرسون سطوته، ويرهبون الناس باسمه لمنع المبادرات والحلول والأفكار الخلاقة المبدعة، التي تناسب الوضع اللبناني. وتتوسّع حلقات الإذعان والرضوخ للواقع الكريه والمؤلم. فيترك الشعب في يتم المعاناة، وتُسدّ منافذ الضوء، بل ويتمّ شلّ المبادرات بذريعة عدم اكتمال إجماع، يمنعه رفض أقلية عميلة مستلَبة عن ملاقاة الفرص، وتلبية الضرورات، والخضوع لإرادة الأكثرية في المجتمع.
ثانيا: ليس الإنقاذ معجزة، ولا هو مستحيل. وقد لاحت وسط عتمة الانهيار الخطير والفاقة المفجعة أشعة منيرة واشراقات خلاص، تتخطى حدود منع الكارثة نحو فتح آفاق أوسع وأرحب للتقدّم والتنمية وإعادة البناء والنهوض الوطني المنتج. فامتدت أيدي المنخلعين الفاجرين لتحجب إشعاعها المنير في عتمة حالكة تخنق الأمل. فالمبادرات العظيمة التي طرحها قائد المقاومة ومحور الشرق الحاضن لإرادة التحرّر تتخطى الإسعاف الطارئ إلى تأسيس نهضة شاملة، وإعادة بناء جذرية، فيها ازدهار ونمو، وهي مرفوضة معطّلة بكلّ وقاحة لأجل السيد الأميركي وإملاءاته وخساسة عملائه. وهل أقبح من تخريب المبادرات التي طرحها السيد نصرالله، وهو القادر بوزنه وهيبته وإخلاصه على تعظيمها ورفدها بمساهمات هائلة، ولاسيما من روسيا وإيران والعراق والصين، حيث يمثّل السيد بشخصه وحزبه العظيم بفعله وزنا نوعيا، يحولانه رصيدا للوطن، يقبل الصرف والتسييل اقتصاديا وماليا بشراكات بلا كلفة أوتنازل أو سمسرة، كما جرت العادة بالنسبة لسماسرة لنظام وعلّقه القبيح.
ثالثا: لأن الظرف حرج، ولأن للزمن ثمن وكلفة خطيرة، أقلها اهتراء وتحلّل وخطر فوضى بربرية، لا يمكن الركون إلى الحلقة المفرغة. ويُفترض العمل بسرعة لتطوير المبادرات الممكنة، وإطلاق عمل شعبي عاجل واستنهاضي لبلورة كتلة قادرة على التحرّك لتغيير التوازن، وفرض اتجاه جديد، هو السبيل الوحيد المتاح لتخطّي الكارثة، والنهوض من جديد، بدلا من الترنّح في مزيد من الاحباطات. وإننا نعتبر حجم الكارثة مبرّرا للمغامرة والمحاولة دون انتظار. وبدلا من التفرّج على دوامة خطيرة تطحن البلاد والعباد. والتحرّك إلى الأمام على حافة الهاوية سيكون بالتأكيد أجدى وأكثر حكمة من ترك الساحة للقوى التافهة العميلة الأشدّ انحطاطا وعجزا في الواقع السياسي.
إن تعبئة الجهود والطاقات حول مشروع واقعي للخلاص، يستدعي خنق طابور العمالة والتعطيل، وسيفتح بابا واسعا لمسار جديد، ولا عذر لمن يتخلف عن النداء أو ينكث بالوعد.