الهستيريا الأميركية الإلكترونية وتداعياتها
غالب قنديل
شنّت الإمبراطورية الأميركية خلال الأسبوع الماضي حملة مطاردة قانونية وتقنية لحظر البث الفضائي والإلكتروني لرزمة قنوات محور المقاومة، بصورة تكشف الهستيريا الأميركية والضيق من قدرة المنصات الإلكترونية للإعلام المقاوم والتحرّري في الشرق على تحقيق انتشار قارّي وعالمي واسع، رغم جدران العقوبات القانونية والتدابير الصارمة، التي أقامتها الإمبراطورية والحكومات العميلة في اعتراض الأثير، ومنع انتشار الصور والمعلومات والمواقف والتغطيات النشطة لباقة قنوات تلفزيونية وإذاعية ومواقع إخبارية وسياسية، تستفيد من مزايا التقنيات الرقمية المدمجة، وتجيد استخدامها لتقديم مواد إعلامية جذّابة، تزداد فاعلية وانتشارا باللغات العربية والفارسية والإنكليزية وغيرها.
أولا: تمثّل الحملة الأميركية الشرسة والواسعة اعترافا صريحا ومعلنا بنجاح محور المقاومة والتحرّر في كسب جولة هامة من الصراع، وتوليد حالة من القلق والتوتّر في دوائر التخطيط الاستعماري أمام التطور الهائل في منابر الإعلام وأدوات الاتصال الجماهيري، التي تحمل رسالة مقاومة وتحرّرية إلى جاليات بلدان المشرق في المغتربات، كما تخاطب القطاعات المتاحة من الرأي العام الأميركي بجاذبية واقتدار منافسين، وباللغة التي يفهمها، حسب اعترافات العديد من الخبراء الأميركيين، الذين تناولوا القضية في مقالات وتقارير نشرت بعضها مراكز دراسات ومنصّات إعلامية أميركية معروفة.
الهستيريا الأميركية تعكس مخاوف استراتيجية من نموّ وتوسّع تأثير وانتشار الخطاب الإعلامي التحرّري، الذي يحمل محتوى جريئا وشجاعا في فضح خطط الهيمنة ومنظومات اللصوصية والنهب وحروب التدمير والإبادة، التي تديرها الولايات المتحدة ودول الغرب اللصوصية في الشرق العربي والإسلامي.
ثانيا: ليست التدابير الأميركية ظرفية أو مجرد مناورة تكتيه تتصل باستعصاء تفاوضي، وهدفها محاولة نقل موضوع المنصّات الفضائية والإلكترونية إلى جدول المساومة والتفاهم بعد انتهاء الجولة الراهنة من التجاذب التفاوضي الأميركي – الإيراني، الذي تحكمه معادلات قوة جديدة في بيئة استراتيجية متحوّلة على الصعيد العالمي، بل هي في الواقع تعبير عن توجّه منهجي لاعتراض تطوّر نوعي كبير، فرضته المبادرات الإيرانية بالشراكة مع حكومات وقوى محور المقاومة الإقليمي، وكسبت بواسطته جولة حاسمة في المجابهة الإعلامية والسياسية والثقافية بين الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية ودول الغرب المهيمنة، من جهة، وحلف التحرّر والمقاومة في الشرق من جهة ثانية.
هي المرة الأولى التي تسجّل مثل هذا الحدث، الذي يحمل بصمة إيرانية ظاهرة. وهذا يستحقّ عرفانا عظيما، وتحية إكبار من شعوب منطقتنا وسائر قوى التحرّر في بلداننا، التي ستبقى على الدوام أمينة ووفية لنبل المبادرات والمساهمات والتضحيات الإيرانية الأخوية الكريمة ويمكننا أن نتوقّع استمرار السجال التقني بين محور المقاومة والتحرّر ومعسكر الهيمنة الاستعمارية وأدواته في الفضاء، كما على الأرض، وانعكاس التحوّلات التراكمية في ميزان القوى العالمي العام على هذا الميدان. ونحن على ثقة بقدرة الخبراء الإيرانيين والحلفاء من دول العالم الحرّة، وفي محور المقاومة بالذات، على مراكمة المزيد من القدرات والخبرات المتطورة، لكسب السجال التقني بما يوسع مساحات التعبير والتواصل المكرّسة لمطاردة أخطبوط العدوان والهيمنة والنهب في هذا العالم.
ثالثا: لقد ساهمت دول الشرق الصاعدة في كسر احتكار التكنولوجيا. وينعم العالم اليوم بمناخ تنافسي جديد يتسنّى فيه لدولٍ وقوىً تحررية عديدة تخطّي الطوق الافتراضي ونشر رسالتها الإعلامية وتنمية قدراتها الإبداعية بجدارة. والسجال مفتوح في الاتجاهين، للمرة الأولى منذ عقود، وهذه الثورة التقنية في عالم اليوم تحمل معها تحوّلات عديدة لمصلحة شعوب الشرق وحركات التحرّر.
لما كانت منصات الإعلام والتواصل الروسية مستهدفة ومطاردة، بالتوازي مع منصّات ومنابر محور المقاومة، فإن المطلوب تطوير مستويات التعاون والشراكة الإيرانية – العربية – الروسية التقنية والإعلامية في مواجهة التسلّط الأميركي العدواني. وهذا الصعيد من العمل سيوسّع من فرص تنمية وتطوير إعلام محور المقاومة، دون أن يعني ذلك تعليق الدعوة لتوسيع مبادرات الحوار مع الأصدقاء الروس بأي من العناوين، التي تتمايز فيها مواقفنا، وخصوصا في قضية فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني، بما يتخطّى سقوف المواقف الروسية التقليدية عن التسوية الإقليمية. ومن الخطأ راهنا، تحويل التمايز في هذا الملف إلى مبرّر افتراق وتباعد، كما يرطن بعض الجهلة والغلاة الطارئين على مواقع التواصل بسطحية وخفّة. فالموقف المسؤول الذي يحتّمه الالتزام المبدئي، هو تطوير الشراكة، بالتوازي والتزامن مع الحوار في نقاط الاختلاف والتمايز الطبيعي بين أي حليفين أو شريكين، بعيدا عن ضغط النَزق والصبيانية، التي تضجّ بها “شعطات” المتطفّلين على الهوامش والحواشي.