نيويورك تايمز: السعودية حاولت تخريب محاكمة عوض الله بـ”الفتنة”
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا عن المحاكمات في الأردن لمسؤولين بارزين بتهمة الضلوع في “الفتنة” وزعزعة الحكم، أهمهم الرئيس الأسبق للديوان الملكي باسم عوض الله، الذي تربطه علاقة قوية بالسعودية.
وقالت الصحيفة إن الجلسات في قاعة محكمة أمن دولة بنواحي العاصمة الأردنية تعكس صورة عن العائلة الحاكمة المنقسمة، والتوتر مع جيرانها الأقوياء بالمنطقة، وتحالفها مع الولايات المتحدة.
وتدور المحكمة حول “دسيسة سياسية” كما وصفتها الصحيفة لا تزال مغلفة بالغموض، اتهم أمير بالتورط فيها، وقادت إلى سلسلة اعتقالات في نيسان/إبريل، واستهدفت عددا من الأشخاص منهم “عوض الله”، الذي كان أيضا مستشارا لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي لبلاده.
وينفي كل من عوض الله والمتهم الرئيسي الآخر الشريف حسن بن زيد، ضلوعهما في “الفتنة” ومحاولة زعزعة استقرار البلاد، ويواجهان حكما يصل إلى 20 عاما حال إدانتهما.
لكن الغائب عن قاعة المحكمة في هذه الدراما هو الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك والذي لم توجه إليه اتهامات.
وتقول الصحيفة إن المحاكمة أصبحت صورة عن التنافسات الإقليمية وتمتحن تحالفات الولايات المتحدة بين حليفين مهمين لها في الشرق الأوسط: الأردن والسعودية، حيث زاد التوتر بينهما في العام الماضي بسبب اتفاقيات تطبيع دول عربية مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأدت حملات الاعتقال في البداية إلى حالة من الصدمة نظرا لوضع الأردن بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وكل من سوريا والعراق والسعودية، واستيعابه عددا من موجات اللجوء النابعة من الحروب التي اندلعت في أغلب تلك المناطق، ولكنه وحافظ على استقراره وتعاونه مع الولايات المتحدة بمجالات الأمن والاستخبارات و”مكافحة الإرهاب” بحسب الصحيفة.
وترى “نيويورك تايمز” أن المحاكمات عقدت رغم محاولات الجارة القوية، السعودية عرقلتها.
ففي نيسان/إبريل أرسلت السعودية أربع طائرات محملة بالمسؤولين البارزين لغرض الإفراج عن عوض الله وعودته معهم، وذلك حسب مسؤول أمني غربي بارز رفض الكشف عن هويته.
وقاد الوفد وزير الخارجية فيصل بن فرحان وعدد من المسؤولين في مكتب الأمير محمد بن سلمان.
وانضم إليهم مدير المخابرات السعودية الذي بقي لمدة خمسة أيام كي يضغط على الأردنيين الإفراج عن عوض الله لكي يعود معه، وفق زعم الصحيفة.
وأكد المسؤولون السعوديون بعد ذلك وصول الوفد إلى الأردن ولكنهم أكدوا أن الغرض منه كان إظهار التضامن مع الملك عبد الله الثاني ونفوا أنه كان من أجل الضغط للإفراج عن عوض الله.
ونقلت الصحيفة عن “بروس ريدل”، المحلل السابق في المخابرات الأمريكية قوله “أعتقد أنهم ضغطوا للإفراج عنه لمعرفتهم أن لديه معلومات تدينهم وأردوا إخراجه”.
وأضاف “ريدل” أن الأردن استطاع مواجهة الضغط السعودي بشأن عوض الله بعد طلب ويليام بيرنز، مدير سي آي إيه، الذي عمل سابقا كسفير في الأردن من البيت الأبيض التدخل.
ورفضت الاستخبارات الأمريكية التعليق على ذلك التدخل المزعوم.
واتصل الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن بالملك عبد الله أثناء وجود مدير المخابرات السعودية في عمان ومن المقرر زيارة العاهل الأردني واشنطن في الشهر المقبل.
وتعلق الصحيفة بالقول إن الدعم الذي قدمته واشنطن في ذروة الأزمة بنيسان/إبريل لم يكن ليحدث لو بقي دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث تدهورت العلاقة بين البلدين إلى أدنى مستوياتها.
وتحدث المسؤولون الأردنيون في البداية عن أطراف خارجية لكن تصريحاتهم اتسمت بالحذر وعدم إغضاب السعودية التي يعمل فيها عشرات الألاف من الأردنيين الذين سيؤدي طردهم إلى انهيار اقتصاد البلاد.
وكان عوض الله من المقربين للملك عبد الله ورئيسا لديوانه ووزيرا للمالية قبل أن يصبح مستشارا اقتصاديا لولي العهد السعودي. ويحمل الجنسية الأردنية والسعودية والأمريكية.
ومع أن جلسات المحكمة مغلقة إلا أن شريط فيديو من داخل القاعة خرج وانتشر يوم الاثنين وظهر فيه عوض الله “الأشعث” بلباس السجن الأزرق.
ولدى عوض الله معرفة عميقة بالسياسة الاقتصادية السعودية وكذا التعاملات الاقتصادية الأردنية. وقال ريدل، الخبير الأمني، إنه لن يندهش لو حصلت صفقة أو أدين عوض الله وأرسل في النهاية إلى بريطانيا لكي يحتفظ بأسراره لنفسه.
ويتهم عوض الله بالتآمر مع الأمير حمزة لزعزعة استقرار البلاد، لكن السؤال الذي يطرح بقوة يدور حول دوافعه.
وبحسب لائحة الاتهامات فقد كان هدف المؤامرة هو زعزعة استقرار البلاد و”دعم الأمير حمزة للوصول إلى حكم الأردن”.
ورغم الحديث في البداية عن محاولة انقلاب إلا أن المسؤولين الأمنيين أشاروا إلى أن المشاركين لم يقوموا بتجنيد مسؤولين عسكريين وتوقفوا عن محاولة الإطاحة بالملك عبد الله الذي يحكم منذ عام 1999.
ويقول المسؤولون الأمنيون، بحسب الصحيفة، إن عوض الله لم يكن ليتحرك بدون دعم من القادة السعوديين. ويرى المسؤول الأمني الغربي السابق أن هدف السعوديين كان التأثير على الدور المهم والرئيسي للملك عبد الله كلاعب في شؤون الشرق الأوسط، فأردن ضعيف لن يكون لديه مساحة للمناورة ومعارضة السياسات التي يدعمها ولي العهد السعودي فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين.
ولم يتم تقديم الأمير حمزة (41 عاما) للمحاكمة، وهو طيار في سلاح الجو ونشأ على اعتقاد أنه المرشح للعرش الأردني، قبل أن يعزله الملك عبد الله الثاني في 2004.
وأعلنت العائلة عن مصالحة رعاها ولي العهد السابق وعم الملك، الأمير حسن بن طلال، حيث جدد الأمير حمزة بيعته للملك.
وبحسب الاتهامات التي كشف عنها الإعلام الرسمي فقد حاول الأمير الاتصال مع زعماء العشائر وتشجيعهم على الاحتجاج ضد الملك.
ويؤكد ريدل أن الأمير حمزة وإن سكت في الوقت الحالي، “فإنني لا أعتقد أن طموحاته قد انتهت”.