كيف نواجه الحرب الأميركية على الإعلام التحرّري؟
غالب قنديل
سياسيا وتعبويا من الضروري والملح الإسهام المتجدّد في تنوير الجماهير العريضة ومخاطبة الرأي العام العربي والمشرقي والعالمي، بما يفضح الهيمنة الاستعمارية، والتنمّر الأميركي بالذات، في صدارة الغطرسة الغربية الصهيونية ضد شعوب الشرق وحركات التحرّر والمقاومة. وهذا ما يجب أن يشكّل جوهر الخطاب التحرّري مع كل بادرة عدوان وغطرسة تطال مصالح الشعوب والبلدان، التي تخوض معارك التحرّر والتنمية والاستقلال الوطني ضد الهيمنة والتهديد.
اولا: في العالم المعاصر تمثّل قضية التحرر والتنمية والاستقلال محور الكفاح، الذي تخوضه شعوب وبلدان متزايدة ضد أخطبوط عالمي مالي سياسي وعسكري لصوصي، وشبكة عملائه المتشعّبة في جميع المجالات والحقول، وتكتسي الميادين الإعلامية والسياسية والثقافية والفنية للصراع والمنافسة على الصعيد العالمي أهمية متزايدة، ويتّضح من معاينة التطورات والتحوّلات أن القوى الاستعمارية المتغوّلة، وعلى رأسها الإمبراطورية الأميركية وملحقاتها من دول الغرب الإمبريالي، ومستعمراتها وعملائها في العالم الثالث، يستشعرون خطرا وجوديا من تراكم التحوّلات، التي تغيّر البيئة الاستراتيجية العالمية، وتنشئ بيئة دولية جديدة تعدّدية، بقوة اندفاع تثير رعب أخطبوط اللصوصية والهيمنة، مع نجاح القوى الشرقية الصاعدة في بلورة منظومات عالمية حرّة، وتوسيع مساحات التعبير والتنوير، بما يصدّع منظومات راسخة وقديمة، تَحكّم الغرب من خلالها بكلّ ما يمسّ المعلومات والإعلام في العالم المعاصر، الذي شهد تحوّل الأفكار إلى قوة فعل دينامية، تفرض التغييرات التاريخية الكبرى، وحيث شرع العالم يشهد تحوّلات قاهرة مع توسّع مساحات الاتصال والتعبير خارج سيطرة الإمبراطورية اللصوصية القابضة على الأرض والفضاء والأثير.
ثانيا: تستجمع الإمبراطورية اللصوصية الأميركية ما ظلّ بحوزتها من أدوات التحكّم بالفضاء وبمنصّات البثّ ومنابر التعبير الحديثة والتقليدية العابرة للحدود والبلدان، لمطاردة وسائل الإعلام التحرّرية المناهضة للهيمنة اللصوصية والنهب الاستعماري، وهي تعمل بصورة متواصلة لسدّ كلّ متنفّس، قد تنفذ منه أصوات وموادّ إعلامية تنويرية مكرّسة لفضح الهيمنة الاستعمارية وأدواتها العميلة، وتعبئة الجهود والطاقات في إطار حركات المقاومة والتحرّر. وما يُشعر الإمبراطورية الأميركية وعملاءها بالخطر، هو تفاعل الواقع الجديد وتحوّله، بقوة الإعلام، إلى عنصر ضغط وتأثير داخل الإمبراطورية الأميركية نفسها، وفي معظم دول الغرب الاستعماري، حيث تتوسّع أصداء التضامن مع حركات المقاومة والتحرّر، وتعصى على محاولات التضليل والتّدجين، بفعل انتشار الوقائع القاهرة، وسقوط جدران التعتيم والمنع، التي احتمى بها اللصوص والجلادون في حقب سابقة. بينما يغلي العالم المعاصر، ويضجّ الفضاء بجديد، كل لحظة، عن فظائع الإجرام والنهب، وشواهد بطولات وتضحيات جزيلة، يبذلها المناضلون من أجل الحرية في مختلف الساحات والميادين عبر القارات.
ثالثا: هذا السجال سوف يمتدّ ويتشعّب ما بقي التناقض المقيم بين نزعة التحرّر والاستقلال والتنمية والعدالة ومنظومات الهيمنة اللصوصية والنهب الاستعماري. والتحدّي الذي يطرح نفسه على الإعلام التحرّري، هو خوض هذا الصراع بمزيد من الشجاعة والحزم والانتباه واليقظة والابتكار الإبداعي والحس النقدي، الذي لا غنى عنه في عمل مستمر وتراكمي، لتفكيك محاولات التضليل والتوهين وفضحها لوقاية الشعوب من فعلها الإعلامي وتأثيرها المعنوي. ولا شكّ أن معسكر التحرّر العالمي حقّق تقدما هائلا، يمكن الارتكاز إليه، ومراكمة المزيد من التحولات. ثمة مبادرات كثيرة ممكنة ومطلوبة وملحّة لتفكيك الهيمنة الأميركية، وتعزيز مساحات التعبير وموارد المعلومات والمعرفة عبر منظومات جديدة، تعصى على سطوة التعليب والتزوير. هذا التحدّي يشمل صعيدين من العملية الإعلامية المعاصرة، هما تقنيات البثّ والاتصال، وإنتاج المحتوى الجذّاب والفعّال في شكله ومضمونه. وفي هذا المجال ما زال أخطبوط الهيمنة اللصوصية يحتفظ بعناصر تفوّق كثيرة. بينما يمكن للقوى الصاعدة في العالم أن تطوّر قدراتها بما يعطيها اليد العليا.
ليس في هذا التحدّي استحالة، لكنه يتطلّب، ككلّ مبادرة تحرّرية، أن نرسم الخطط الصحيحة، ونمتلك أدوات تنفيذها بالحزم والتّصميم اللازمين.