حول مؤتمر الأمن الدولي                  أحمد حاج علي 

موسكو

يأتي مؤتمر الأمن الدولي بنسخته التاسعة في العاصمة الروسية موسكو في ظل استمرار الاستفزازات والضغوط الغربية والأميركية ولو على خلفية مصافحة الرئيسين بوتين وبايدن في قمتهما الأولى، التي أحرزت تقدماً يبقى في الشكل مع عودة سفيري البلدين إلى أداء مهماتهما.  إذ سرعان ما عاجل الرئيس بايدن بتفعيل سلسلة عقوبات اقتصادية، منها ما يعوق التقدم في إنهاء خط “السيل الشمالي-2” الواعد للاقتصاد الروسي والأوروبي، مع باقة جديدة من الخطوات المعادية التي لا تبشر بانفراج على مستوى تحسن العلاقات الثنائية.

ومع انطلاق جلسات المؤتمر سُجِّلَ خرق للسيادة الروسية، عدَّته وزارة الدفاع خطيرا، حيث أبحرت مدمرة بريطانية ثلاثة كيلومترات في عمق المياه الإقليمية الروسية في البحر الأسود. مقاتلات و سفن حربية روسية ردت بنيران تحذيرية على طول مسار المدمرة “ديفيندر” حتى أجبرتها على تغيير مسارها والخروج من المياه الروسية بعد مناوشات لامست حدود الاشتباك المباشر!

وجاء في بيان وزارة الدفاع الروسية:” تعتبر وزارة الدفاع الروسية التصرفات الخطيرة لمدمرة البحرية البريطانية في البحر الأسود انتهاكًا صارخًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 وتدعو الجانب البريطاني إلى إجراء تحقيق شامل في تصرفات طاقم المدمرة “ديفيندر”.

و سرعان ما تم استدعاء الملحق العسكري في السفارة البريطانية في موسكو (وهو بالمناسبة كان مدعواً لحضور فعاليات مؤتمر الأمن) إلى مديرية التعاون العسكري الدولي في وزارة الدفاع الروسية لإعلامه بالانتهاك.

وبعد أن أطلقت سفن الدوريات البحرية الروسية نيرانا تحذيرية لم تستجب لها المدمرة “ديفيندر”، قامت طائرة “سوخوي-إم-24” بقصف مسار المدمرة لإجبارها على التراجع!

هذا، وفي مستهل أعمال هذا المؤتمر الأمني أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد بلاده للمشاركة على قدر المساواة في حل المشكلات الإقليمية والدولية بالأساليب السياسية والدبلوماسية لتوسيع التعاون مع جميع دول العالم.

ولفت بوتين إلى دور روسيا في تحمل مسؤولية أمن الدول المجاورة لها، والتي تربطها بها روابط تاريخية، ثقافية وإنسانية، من ضمن مساع مستمرة لتهدئة النزاعات الإقليمية، الأمر الذي يساهم في ضمان الأمن الدولي. وذكَّر الرئيس الروسي ضيوف المؤتمر المشاركين من 119 دولة بدور المساعدة العسكرية الروسية في تحرير معظم الأراضي السورية من الإرهاب الدولي ومنع انهيار الدولة السورية بموازاة العمل الدبلوماسي السياسي لروسيا ضمن منصة أستانا بمشاركة إيران وتركيا، ما سمح ببدء عملية تسوية برعاية أممية، كما كان للمساهمة الروسية دوراً حاسماً في وقف صراع إقليم ناغورنو قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان.

من جانبه، حذر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو من انفجار الوضع في أوروبا مع استمرار دراسة مخططات الناتو واستعداداته لنقل سريع لقواته إلى محاذاة حدود الاتحاد الروسي وبيلاروس. وأشار شويغو إلى خطورة المناورات الأطلسية الأخيرة “ديفيندر يوروب” التي عدَّها مثالاً للتدريب على عمليات هجومية عدائية في النطاق الشرقي لعمل الحلف الأطلسي.

ولتفادي احتمال المواجهة وتخفيف حدة التوتر، قامت روسيا باتخاذ سلسلة إجراءات، منها تخليها عن إجراء مناورات حربية بالقرب من خطوط التماس على طول حدودها مع أوكرانيا، إضافة لمبادرة الرئيس بوتين حول تنسيق إجراءات تعزيز الشفافية واستعادة الثقة المتبادلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو (التي بقيت من دون استجابة). شويغو رأى أن تطور وضع الأمن الاستراتيجي، وبخاصة الرقابة على التسلح، ومنه نشر الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى في أوروبا ومناطق أخرى، يعود إلى حد كبير لقرار الولايات المتحدة وموقفها.

ومن الجدير بالذكر أن المؤتمر الأمني الدولي التاسع في العاصمة الروسية موسكو سيستمر حتى يوم غد الخميس 24 حزيران الجاري على التوالي كمنصة حوار ودعوة للتلاقي لمناقشة قضايا الأمن الإقليمي والدولي وإشكاليات الصراعات المختلفة والمتنقلة من أوروبا إلى أفريقيا والشرق الأوسط وشرق ووسط آسيا وصولاً عبر المحيط الهادئ إلى أميركا اللاتينية. هذه المنصة إنما هي محاولة لتجاوز سلبيات دور دول الهيمنة وتسلطها وتدخلها في شؤون دول العالم ومصائر شعوبه.