“الهبات الأميركية” للجيش بعد الانهيار
غالب قنديل
عندما يخصّص معهد واشنطن الأميركي الصهيوني المعروف أكثر من حلقة نقاش وتقرير لخبرائه المعروفين بميولهم ومساهماتهم السابقة المساندة للكيان الصهيوني، والمعادي للمقاومة، تحت عنوان الاهتمام بوضع الجيش اللبناني ومساعدته في الحدّ من نتائج الانهيار الاقتصادي والمالي الكارثي، ينبغي أن يشعل ذلك أكثر من ضوء أحمر في أي عقل سيادي متنوّر، وتوجّسا من خطط أميركية صهيونية لاستثمار نتائج الكارثة الاقتصادية والمالية، بهدف إحكام القبضة على خناق الجيش وهياكله. ونستغرب الاحتفالية البلهاء والغبية، التي قد يتصرّف بها بعض المسؤولين اللبنانيين مع التوجّهات الأميركية، ناهيك عن تسويق الأبواق العميلة ومنصاتها ومنابرها لأكاذيب “المكارم” الأميركية المسمومة لدعم الجيش الوطني.
أولا: من الخطير أن يمرّ الموضوع وسط ما يشبه التّسليم السياسي بذريعة الاضطرار القسري لاستجداء المساعدات الأميركية. وبكل صراحة نقول إن الفريق الوطني، الواثق برسوخ المعادلات الكبرى، يبالغ في تقدير حصانة تلك التوازنات الفعلية، ومدى ارتباطها بالمعادلة، التي يسهر حزب الله على ثباتها في مجابهة العدو. ولا بدّ من الانتباه إلى أن تقرير معهد واشنطن يكشف انتباه المخطّطين الصهاينة والأميركيين والغربيين إلى أن الانهيار الاقتصادي والمالي يوفّر لهم فرصة ثمينة لزعزعة منظومة الدفاع الوطني المشتركة بين الجيش والمقاومة. ويُفترض الالتفات إلى التقلبات السياسية والاقتصادية والاضطرابات الكبرى، التي تفسح المجال لاهتزاز المعادلات واضطرابها. ويفترض بأي عاقل حصيف ألا يعتبر ما هو قائم تحصيل حاصل أبدي سرمدي، ومع كل تطوّر اجتماعي، اقتصادي وسياسي جديد، يُفترض أن يخضع الوضع العام لفحصٍ وتقييمٍ جديد، لاستخراج التهديدات والفرص، واقتراح الخطط المناسبة.
ثانيا: يبدي الحلف الأميركي الصهيوني وعملاؤه المحليون والإقليميون تصميما سافرا على استهداف معادلة القوة اللبنانية لزعزعتها واختراقها، وتحيّن الظروف السانحة لذلك، وهم يجاهرون باعتبار الانهيار الاقتصادي والمالي فرصة لا تُفوّت، مما يتطلّب على المقلب الآخر، أي جبهة قوى المقاومة والاستقلال والتحرّر، نفيرا وطنيا يقتضي وضع خطة عاجلة لتحصين الجيش الوطني وعقيدته الدفاعية، وحمايته ضد الابتزاز والاختراق بكل الوسائل الممكنة والمتاحة. فكيف يحمي الكرامة الوطنية والاستقلال جيش يتحوّل إلى استجداء التموين اليومي، ناهيك عن الرواتب الشهرية؟، وكيف يُصان الولاء والانتظام العسكري في مثل تلك الشروط المهينة والمذلة؟. ويُفترض أن يكون ملف توفير مستلزمات الجيش الوطني محور تحرّك سياسي وشعبي واسع، يتقدّم جميع الأولويات. ونستغرب اللامبالاة بقضية على هذا القدر من الأهمية والخطورة، وكيف يتصرّف الواقع السياسي معها ببلاهة شديدة، بينما الأميركي والصهيوني منتبهان جدا، كما يعتزمان اصطياد الفرصة السانحة، واستغلالها بأقصى سرعة ممكنة.
إن من أخطر عوارض الاغتراب والبلاهة والانحلال في الوسط السياسي ألا يدرج هذا الموضوع قيد النقاش والتداول. ونؤكد لمن يلزم: إن ما ينشره معهد واشنطن من تقارير ودراسات، يكون على الدوام الفصل الأقلّ خطورة وأهمية من دراسات متداولة سرا في دوائر التخطيط الأميركي الصهيوني، كما نعرف من تقاليد البحث والتخطيط المعادية.
ثالثا: إن لدينا عددا من الشركاء والأصدقاء الحريصين، الذين يحترمون سيادتنا وكرامتنا، ويلتزمون في علاقاتهم بالندّية وبنبل الشراكات، وإن كان من حاجة لطلب النجدة، فالأولى أن نخاطب الحكومات والدول التي تحترم استقلال لبنان وسيادته. وبكل صراحة نقول: إن طلب النجدة للجيش من الأصدقاء المخلصين كسورية وإيران وروسيا، هو أوجب من واجب، بدلا من إلقاء جنودنا وضباطنا في وحل المهانة والمذلة الأميركية وابتزاهم في خبزهم وملابسهم وحاجاتهم البسيطة، التي يمكن الحصول عليها من أصدقاء مخلصين وأوفياء من أحرار العالم وشركاء المصير. ويجب أن يتجنّد جميع المخلصين من شعبنا وفي إعلامنا لإخراس أصوات العمالة والارتزاق، التي قد تتحرّك ضد هذا التوجه، ولا بدّ من وسمها بالخيانة، وتجريمها قضائيا، فتحصين كرامة الجيش هو مدماك الكرامة الوطنية.
بكل احترام نوجّه الدعوة إلى قياد الجيش لوقف الاتصال بدافع طلب المساعدة من مصادر الابتزاز والشبهة. ونهيب بالقوى الوطنية المسؤولة، وفي مقدمتها التيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وتيار المردة والحزب الديمقراطي وحزب البعث والحزب الشيوعي والحزب القومي وحزب الاتحاد وسائر الشخصيات الوطنية المسارعة إلى مشورة عاجلة حول هذا الملف، وصولا إلى خطة طوارئ تُنفّذ فورا.