من الصحافة الاميركية
وصفت صحيفة نيويورك تايمز الإعلان الذي أصدره قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في ختام قمتهم، الأحد الماضي، بأنه اتسم بالمواجهة فيما يتعلق بسلوك الحكومتين الروسية والصينية.
وقالت الصحيفة إن القمة التي عُقدت في مقاطعة كورنوال جنوب غربي إنجلترا انتقدت بكين بشدة على ممارستها القمعية ضد مواطنيها، وتعهدت بالتحقيق في مصدر جائحة “كوفيد-19″، كما شجبت بقوة استخدام موسكو غاز الأعصاب والهجمات الإلكترونية.
وأضافت أن القادة حاولوا اتخاذ موقف موحد إزاء جملة من المخاطر، إلا أنهم لم يتفقوا حول عدد من القضايا الحيوية تتراوح من وضع جداول زمنية للحد من استخدام الفحم الحجري إلى التعهد بتقديم مئات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات للتصدي لمبادرة الحزام والطريق التي تتبناها الصين بهدف إحياء طريق الحرير القديم، والذي تعتبره نيويورك تايمز مشروعا للاستثمار الخارجي والإقراض.
وقد رحب جميع المشاركين تقريبا بـ”اللهجة الجديدة” التي اتسمت بها القمة، بينما شرعوا في إصلاح التصدعات التي نجمت عن تعامل المجموعة طيلة 4 سنوات مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وتناولت الصحيفة تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب اجتماعه بنظيره الأميركي جو بايدن، والذي قال فيه إن مجموعة السبع “ليست ناديا مناهضا للصين”، بل تمثّل “تجمعا لديمقراطيات” تسعى إلى “العمل مع الصين بشأن كافة القضايا العالمية” وبمعزل عن الخلافات.
واعتبرت الصحيفة ذلك التصريح بمثابة “إطراء” سيحظى باستحسان كثير من الأميركيين، لكن قد يراه المتبنون لشعار ترامب “أميركا أولا” غدرا بمصالح الولايات المتحدة.
لقد كان الاختلاف في نبرة خطاب القادة -بحسب الصحيفة- لافتا للنظر بلا أدنى شك، فقد كان آخر مرة يلتئم فيها شمل قادة مجموعة السبع -حضوريا وجها لوجه- في مدينة بياريتز جنوبي فرنسا عام 2019.
ولم يشر البيان الختامي آنذاك قط للصين فيما تملصت الولايات المتحدة عن كافة الالتزامات بخصوص التصدي لأزمة المناخ، وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تأييده للبيان الختامي الذي أصدره القادة خلال القمة.
غير أن هذه المرة جاءت مخرجات قمة كورنوال متوافقة بامتياز مع اللغة التي اتسمت بها حقبة الحرب الباردة، وهو ما يعد بنظر الصحيفة الأميركية انعكاسا لعمق الإحساس بأن روسيا “المتراجعة” والصين “الصاعدة” تعكفان على تأسيس كتلتهما المناوئة للغرب.
ولفتت نيويورك تايمز إلى أن مجموعة السبع شجبت في بيانها الختامي سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “المزعزع للاستقرار” وأنشطته “الخبيثة”، ومن بينها التدخل في الانتخابات الأميركية والقمع “الممنهج” للخصوم والإعلام.
ورغم أن بايدن نجح في دفع نظرائه إلى تبني وضع أكثر عدائية تجاه الأنظمة الاستبدادية، فإن مجموعة السبع أخفقت في الاتفاق على محاور رئيسية في أجندة السياسة الخارجية التي طرحها الرئيس الأميركي في وقت سابق.
فالمجموعة -تضيف نيويورك تايمز- لم تستقر على جدول زمني للتوقف عن استخدام الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما يراه المدافعون عن المناخ مؤشرا على غياب الإرادة في مواجهة واحدة من أكبر مسببات ظاهرة الاحتباس الحراري عالميا.
ونقلت الصحيفة عن خبراء في الطاقة قولهم إن إخفاق دول المجموعة -التي تتسبب في نحو ربع تلوث المناخ بالعالم- في الاتفاق على موعد نهائي للحد من استخدام الفحم يضعف قدرتها على دفع الصين للتوقف عن استغلال تلك المادة.
ورغم أن القادة دعوا بكين لاحترام “الحريات الأساسية، خاصة ما يتعلق منها بإقليم شينجيانغ” حيث تُتهم بكين بارتكاب انتهاكات ضد أقلية الإيغور، وفي هونغ كونغ حيث تستهدف الناشطين المدافعين عن الديمقراطية، فإنهم لم يتفقوا على منع مشاركة الغرب في المشاريع التي تستفيد من العمل القسري.
وبدلا عن ذلك، انتهى الأمر بإصدار إعلان “مبهم” يقضي بتشكيل مجموعة عمل “لتحديد مجالات توطيد التعاون وتضافر الجهود الجماعية بغية القضاء على الاستعانة بكافة أشكال العمل القسري في سلاسل التموين العالمية”.
نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا للمعلق ماكس بوت قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو أظهر أنه أناني وأخرق مثل ترامب.
وقال “في الدول التي تتجذر فيها الديمقراطيات عادة ما يتصرف الزعيم المهزوم بأدب مع المنتصر، وليظهر وحدة الأمة رغم الغضب والإهانة التي تحترق في داخله”.
وخرق الرئيس دونالد ترامب هذه التقاليد عندما دفعها في مرحاض مسبوك بالذهب إلى جانب عدد من الأعراف الديمقراطية الأخرى. فهو لم يرفض فقط حضور حفل تنصيب الرئيس جوزيف بايدن بل ويواصل حتى اليوم اتهامه بأنه رئيس غير شرعي فاز في انتخابات مزورة.
ساد اعتقاد أن قادة الديمقراطيات الآخرين قد يتجنبون مثال ترامب البغيض، لكن ليس هذا هو الحال، وبالتأكيد ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو
وربما ساد اعتقاد أن قادة الديمقراطيات الآخرين قد يتجنبون مثال ترامب البغيض، لكن ليس هذا هو الحال، وبالتأكيد ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو. فبيبي كما يعرف أظهر وهو يغادر منصب الرئاسة أنانية وعدم لطف بنفس الطريقة التي أظهرها صاحب منتجع مار- إي- لاغو، فمثل ترامب رفض حضور حفل تنصيب سلفه رئيس الوزراء اليميني المتطرف نفتالي بينيت الذي يقود ائتلافا مع زعيم الوسط يائير لابيد. وبعد فترة من مصادقة الكنيست على سقوطه، ألقى نتنياهو خطاب أرض محروقة مليئا بالذم والغضب وحافل بالاستعارات الترامبية، وحتى تصدق ما جاء فيه من فظاعة وتفاهة يجب عليك أن تقرأه.
وبدأ نتنياهو خطابه بالمديح المفرط لنفسه قبل أن ينحرف لذم الحكومة الخطيرة. ومع أن بينيت ناقد للاتفاقية الإيرانية لكن نتنياهو زعم أن تلميذه السابق لن يقف أمام محاولات الرئيس بايدن العودة للاتفاقية مثله. بل وهاجم فرانكلين روزفلت لأنه لم يقم بقصف معسكرات الاعتقال الألمانية والقطارات مما قاد إلى 1944. وهي طريقة أخرى للاقتراح ومرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تقوم بعمل أي شيء لإنقاذ الشعب اليهودي من المحو وأن نتنياهو هو الوحيد القادر على عمل هذا.
وزعم أن بينيت لا يحظى “بموقف دولي” لكي يعارض الاتفاقية النووية ولن يعمل ما عمله نتنياهو في 2015 عندما تحدث إلى الكونغرس ضدها.
وكلام نتنياهو هو محاولة مجنونة لتصحيح التاريخ، فقد شك المؤرخون في قدرة الولايات المتحدة على وقف الهولوكوست علاوة على إبطائه. كما أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس لم يوقف إدارة باراك أوباما عن المضي في توقيع الاتفاقية النووية. وكان وقوف نتنياهو مع الجمهوريين ضد الرئيس عاملا مضرا بالتحالف الأمريكي- الإسرائيلي. والأهم من كل هذا هو أن تهديد إيران ضد إسرائيل زاد خطورة منذ خروج ترامب، بضغط من نتنياهو ضد الاتفاقية النووية عام 2018. ومنذ ذلك الوقت زادت إيران من جهودها في المشروع النووي وإنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة ودعم وكلائها بالمنطقة مثل حزب الله وحماس، ومع ذلك يزعم نتنياهو أن إيران تحتفل بسقوطه. ولم يتهم نتنياهو الحكومة الجديدة بتهديد أمن إسرائيل فقط بل وقال إنها ستعمل على تدمير “اقتصادنا الرائع حتى نقوم بإصلاحه سريعا عندما نعود إلى السلطة”. ثم قدم بيبي رؤيته المأخوذة من كتاب ترامب عن التلاعب في الانتخابات. واتهم بينيت بتحويل أصوات اليمين إلى اليسار. ولأن الائتلاف الجديد نجح بدعم حزب عربي إسلامي فقد اتهمه نتنياهو بالخادم للتطرف الإسلامي.
وكانت قنبلته الأخيرة ترامبية من ناحية الرثاء للنفس “عانيت أنا وعائلتي من ملاحقة واتهامات وتشهير لم يحصل مثله” و”كل هذا من أجل الركوع والاستسلام لليسار”. ومثلما أكد ترامب أنه يقاتل نيابة عن الأمريكيين المنسيين، أكد بيبي “لم أستسلم لأنني أعمل نيابة عن قطاع كبير من ملايين المواطنين وكخادم لشعب قديم عمره ألف عام يريد العيش بسلام واستقرار في بلده”.
وهذا كلام سخيف، فهو يواجه محاكمات بالفساد، وهو سبب رفضه “الاستسلام”، وهو السبب الذي أدخل فيه البلد في أربع جولات انتخابية، ولا علاقة لكل هذا بمصلحة ملايين المواطنين بقدر ما هي محاولة لحماية النفس. وظل متمسكا بالسلطة على أمل تمرير الكنيست قانونا يمنحه حصانة من المساءلة القانونية.
ويرى الكاتب أن لدى نتنياهو الكثير ليتحدث فيه عن إنجازاته من نجاح حملة التطعيم ضد كوفيد-19 إلى التطبيع مع دول عربية، فهو أنجح من ترامب وأذكى منه سياسيا، لكنه خطابه الوداعي يكشف عن السبب الذي دفع عددا من حلفائه السابقين للتخلي عنه والتحالف فيما بينهم لإخراجه من السلطة. فهو مثل ترامب يعاني من عيب يشل الشخصية. فهو يكذب ويتآمر ويطعن في الظهر، وكل هذا من أجل الترويج لنفسه، وليس خدمة للشعب. وخطابه الأخير يكشف عن ضرورة عدم السماح له مرة ثانية للقيادة.