لبنان في دوامة الانهيار والفرص على الأبواب
غالب قنديل
يترنّح الواقع السياسي والإعلامي اللبناني في حالة من الانخلاع والانفصام والاغتراب عن الواقع المعيوش، الذي يئنّ شعبنا الصبور والمتكيف تحت وطأته الكارثية، والمتتبع لما تنشره صحفنا اليومية، وما تبثه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، بغض النظر عن كثير من السقطات المشينة لبعض تلك المنابر في شبقها المالي وارتهانها لجهات خارجية وداخلية معروفة، يبقى الأدهى والأخطر والأشد إثارة للعجب ما تفيض به بعض “عبقريات” الواقع السياسي المشهودة من وصفات ومواقف أشبه بالهلوسة، التي تحلّق في فضاءات منفصلة عن الواقع، الذي يشدّ خناق الأزمات على البلد وناسه.
أولا: من يتابع ويقرأ ويفهم، يلاحظ أن عشرات المنافد والفرص متاحة في البيئة الإقليمية والدولية المتحولة، التي تعيش انعطافات كبرى. وتلك الفرص لا تتيح فحسب إمكانات واقعية عينية وملموسة لاحتواء الكارثة المالية الاقتصادية، بل هي تفتح مسارات وآفاقا واعدة لنموٍ وازدهار اقتصادي ومالي، يمكن أن يتنعّم به اللبنانيون بعد وقف الكارثة وكبح الانهيار. ونجزم بأن الخيارات الواقعية المتاحة تسمح بالتطلّع إلى بناء قوة اقتصادية فاعلة مستقرة ومزدهرة، إذا توافرت الإرادة السياسية الوطنية المؤهلة لرسم وتنفيذ الخطط المناسبة لتوظيف المزايا، وبناء الشراكات الجديدة المتاحة عربيا وعالميا، بما يعزّز ويفعّل عناصر القوة والمزايا التفاضلية الوطنية، باستثمار رشيد لمردود الشراكات الإقليمية الواعدة. وهذا التصوّر ليس حلما ورديا، بل هو مبنيّ على دراسة علمية للواقع المتحوّل في العالم والمنطقة.
إن تحويل الكارثة إلى فرصة تاريخية ليس معجزة، لكن المطلوب، هو التصوّر الابداعي والعقل الرؤيوي القادر على استشراف الفرص، واقتراح خطط العمل الطموحة المناسبة والواقعية، بدلا من الاستغراق المشين في متاهات العويل والنحيب الذي “لا يغني ولا يسمن”.
ثانيا: قيل قديما إن فهم المشكلة وطرح المسائل بصورة واقعية ودقيقة يساوي نصف الحل. ولأننا في أزمة انهيار ونضوب وسط زلزال عالمي كبير، يفترض أن ننطلق إلى بلورة مقاربتنا للأزمة من السؤال عن سبل احتواء الكارثة، وإحياء الاقتصاد الوطني وخطوط إعادة مراكمة الثروة، والتحفّز لتنمية مواضع القوة والقدرة التنافسية، لالتقاط الفرص المتاحة من حولنا عالميا وإقليميا، بشراكات جديدة، تضاعف من وتائر النمو وتعاظم القدرة الاقتصادية والمالية. وتلك طموحات تستند إلى فهم الواقع الدولي والإقليمي وآفاق تطوره بصورة علمية متحفّظة دون مبالغة أو نزعة ذاتية تُحِلّ الرغبات مكان الوقائع.
إن الفرص المتاحة أمام بلدنا في الشرق عظيمة وواعدة، وعلى اللبنانيين أن يقارنوا بين نمطي العبودية اللصوصية والنهب في آليات الهيمنة الغربية وبين روح الأخوة والصداقة المشرقية، التي أظهرتها لهفة دول عديدة صاعدة وقادرة في تقديم عروض الشراكات الواعدة لبلدنا مقابل الابتزاز والتسلّط الأميركي الغربي، الذي أتقنت التكيّف معه نخبة عبيد الهيمنة وعقلية “تجار الشنطة” في النظام اللبناني المتخلّع وهياكله المالية والسياسية.
ثالثا: إن تغيير النهج والسياسات العليا والتوجهات والشراكات، يعني تغييرا جذريا في واقع السلطة والنخبة الحاكمة، ينطلق من إزاحة عملاء الحكومات الغربية وسماسرة الشركات الأجنبية لصالح نسيج اجتماعي جديد، يناسب التحولات المنشودة وملاقاة الفرصة الشرقية الواعدة، التي لن تنتظر أحدا، وينبغي العمل لالتقاطها بقيادة سياسية رشيدة قادرة على توفير المستلزمات الاقتصادية والمالية، ووضع الخطط المواكبة لإنقاذ لبنان، والانطلاق من مرحلة احتواء الكارثة إلى إعادة البناء الوطني من قلب الانخراط الوثيق في التكتّل المشرقي مع سورية والعراق وإيران، والتطلّع عبر البحار والمحيطات إلى آفاق واعدة لبلادنا، مع الإشارة إلى أن الهيبة والحصانة اللذين يحوزهما لبنان، لأنه بلد حزب الله المقاوم، يمكن أن يشكلا فائض قوة اقتصادية عند جميع شركاء الشرق الكبير، ولاسيما روسيا والصين، ناهيك عن إيران والعراق وسورية، وهذا عامل لا يمكن أن تزهو باستثماره حكومات لبنانية لا تجرؤ على المجاهرة بأهم مصادر القوة والتألّق لبلدها في نظر المحيط القريب والبعيد.
إن كل مرحلة في تاريخ البلدان والدول تنطوي على تهديدات وفرص، وواجب النخب الفكرية والسياسية أن تعاين تلك العوامل بواقعية، وتبني عليها الخيارات لتبسطها أمام الناس، وتدعوهم للنهوض إلى التصدي للمصاعب، وتوفير مستلزمات شقّ الطريق لمسارات جديدة وواعدة.