الرعب الأميركي الصهيوني من تعافي سورية
غالب قنديل
تشير بعض المقالات والتقارير المنشورة على مواقع مراكز الدراسات والصحف الأميركية، حول الوضع في سورية، إلى حالة القلق الاستراتيجي والمخاوف المتعاظمة أمام المؤشرات الساطعة لمسيرة تعافي الدولة الوطنية السورية، مع اعتراف تلك التقارير الموارب بمؤشرات انتصار سورية والشوط الذي حقّقه الجيش العربي السوري في معارك تحرير المزيد من المناطق، وتصفية ما تبقى من أوكار لعصابات التكفير والعمالة، التي راهن عليها الحلف الأميركي الصهيوني وعملاؤه في بعض العواصم العربية، التي تتسابق حكوماتها للتواصل مع دمشق، وفتح صفحات جديدة من علاقات التعاون، وبعضها يتخطّى الدعوة لإعادة فتح السفارات إلى ترويج طموحات كثيرة حول آفاق الشراكة مع الجمهورية العربية السورية.
أولا: يشعر أي عربي طبيعي بالاشمئزاز أمام بعض الحالات النافرة، التي تضجّ بالنفاق والرّياء والتحايل. فتصريحات بعض المسؤولين العرب تحاول الإيحاء بانهيارات عاطفية، يغدقون فيها معسول التمنيات، وهم يغسلون أيديهم الملوثة بدماء السوريين، الذين يعرفون الكثير عن مآثر حلف العدوان الدولي الإقليمي، الذي خطّط لإحراق سورية وتدميرها ونقلها إلى ضفة أخرى، خارج موقعها التاريخي الطبيعي، وخيار شعبها الأصيل، وجيشها الوطني، وقائدها التحرّري الشجاع. وهذا المثلث، الذي قامت عليه معادلة انتصار سورية ونهوضها، هو الذي يتكفل بصياغة توازنات إقليمية جديدة بالشراكة مع حلف المقاومة والتحرّر، الذي زادته الأزمات قوة وتلاحما.
تشير الوقائع والتحولات الواعدة إلى أن سورية تتحضر لتطوير الشراكات الاقتصادية والتعاون مع جميع الأصدقاء والحلفاء، الذين ساهموا في صدّ الهجمة الاستعمارية الصهيونية الرجعية وعصابات العمالة، التي حرّكتها وقادتها في ساحات الشرق المستهدفة، وبالأخص ضدّ الجمهورية العربية السورية. ومن الواضح أن محور المقاومة، بسائر أطرافه، عازم على تدشين مسار جديد على طريق التحول من إطار للتنسيق الدفاعي إلى تكتل للشراكة والتعاون الاقتصادي في المشرق، تحمل بشائره خطوات واعدة، يبادر إليها حلفاء الصمود السوري في إيران وروسيا والصين، وهم يتطلعون إلى انبثاق كتلة إقليمية صاعدة، تساهم في إرساء دعائم عالم متعدّد الأقطاب.
ثانيا: إن ما بشّر به الرئيس القائد بشار الأسد حول مشروع البحار الخمسة سيشق مساره، وثمّة العديد من الخطوات والمبادرات المتصلة بالعمل لبناء الشراكات الممكنة والواعدة بين الدول التي يطالها ذلك الإطار الجغرافي الاستراتيجي. ومن الواضح أن انتصار سورية وتعافيها سيكون نقطة الجذب النوعية في دينامية حضارية وسياسية لتحقيق هذا المشروع الاستراتيجي، الذي سيغير وجه منطقتنا والعالم، وسيكون بعده غير ما قبله على صعيد مسارات التنمية الاقتصادية والعمران البشري والحضاري، بقيام صروح الشراكات البناءة بين دول عديدة غنية بثقافاتها وبميراثها الحضاري العريق والمتنوع على ميثاق رفض الهيمنة وتكافؤ المصالح والتطلّعات الحضارية المتقدّمة.
ما تحوزه سورية من القدرات والإمكانات، وبفضل استعداد حلفائها وشركاء الصمود، والانتصار في الشرق، للعمل بثبات على ترسيخ وضع إقليمي جديد، يتعزز بعلاقات تعاون وشراكة وثيقة في التصدي لسائر التحديات، وتذليل جميع العقبات أمام تغيير جذري في البيئة الإقليمية، التي تعترف الدول الاستعمارية والحكومات الإقليمية التابعة بأنها دخلت مرحلة جديدة حافلة بالتحوّلات. وكفى بيانا ما تشهده فلسطين المحتلة مؤخرا من مظاهر النهوض والتعافي لمسار المقاومة الشعبية والوطنية المسلحة ضد الكيان الغاصب، وحيث تنبري في ساحات الاشتباك أجيال فتية وواعدة من أبناء الأرض المحتلة بجميع أنحائها.
ثالثا: المطلوب، في ملاقاة التحولات، التقاط الفرص التاريخية انطلاقا من امتلاك الوعي والإرادة. وتلك عبرة تفيض بها جميع التجارب المعاصرة، ولذلك نجد من الضروري العمل لبلورة خطة التشبيك الإقليمي العابر للحدود، والتخلي عن النفس الانتظاري، والمبادرة بكل الوسائل وبشجاعة الصمود والتلاحم، اللذين أظهرتهما الشعوب والقيادات والحكومات ضمن محور المقاومة والتحرّر، الذي يضم إيران وسورية والعراق واليمن والمقاومة الفلسطينية، وبعدما حقق إنجازا تاريخيا يتبلور، وتشكّلت في مخاضه معادلات جديدة نوعيا، بعد الانتصار على الحروب الأشد لؤما والأوسع فتكا ودموية في تاريخ منطقتنا المعاصر.
لقد بادرنا إلى التقدم بهذه الأفكار لمحاولة تحفيز النقاش والتفاعل بدلا من أجواء المناكفة السقيمة والانتظار السلبي، التي ستزيد الكلفة على بلدنا المختنق في أزماته الكثيرة، وهو يندفع إلى هوة سحيقة، يريد البعض أن نتدحرج إليها بعيون مغلقة وعقول غافلة، بينما حاول قائد المقاومة أن يستنهض العقول والهمم لمبادرات ما تزال ممكنة ومتاحة بفضل حلف المقاومة، الذي يبادل هذا القائد العظيم كل الاحترام والاستعداد لتلبية ما يجد فيه مصلحة مشتركة ومساعدة لبلد المقاومة في جهود مخلصة وصادقة لمنع الكارثة.