هل تغيّر لبنان وسورية؟: د. وفيق إبراهيم
الاقتراب هنا يجب أن يشمل التنسيق السياسي بين البلدين بما يخدم مصلحتهما الواحدة وبشكل يصبح بوسعهما مجابهة التسليط الإيراني عند حدود منع كل ضرر متوقع، علماً أن إيران لا تريد إيذاء لبنان ولا تبحث عمّا يتسبب بحشره في زوايا ضيقة. هنا لا بأس من التأكيد أن الدور الإيراني في لبنان يمرّ من خلال الدور الأساسي لحزب الله في لبنان. هذا بالإضافة إلى الحركة السورية فيه التي تكتفي بالتعاون مع حزب الله في حركة صدامه مع «إسرائيل» ولا تنسى مجابهة السياسة الأميركيّة المصرّة على حصار الدور الإيراني من دون أن تفعل إصرار أميركا على الربط بين حزب الله وسورية مع محاولة الحد من إمكانية الطرفين وبشكل يتمكن فيه الأميركيون من حصار الثلاثي السوري والإيراني وحزب الله. فهل هذا ممكن؟
أصبح صعباً على الأميركيين قلب الوقائع والإمساك بالطرفين السوري والإيراني بشكل كامل مع حلفائهم في مختلف المواقع.
هناك إذاً صراع ضخم أميركي أقلياتي تضاف إليه اتجاهات شتى في وجه الحلف السوري – الإيراني مع اتجاهات أقلياتيّة متمرسة بدورها على مجابهة الأميركيين في نواح كثيرة. فهل هذا يعني أن لبنان قادر على الاقتراب السياسي في سورية؟
لا شك في أن المحور الأميركي – الفرنسي – الإسرائيلي شديد الجهوزية ليمنع أي تقارب سوري – لبناني على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. فـ»إسرائيل» جاهزة لتنظيم قتال مفتوح مع لبنان عبر استهداف الدولة من جهة وحزب الله من جهة ثانية.. لكن هذا الاستهداف ليس كافياً للنيل من سورية ولبنان وربما يؤكد أن الصراع الإسرائيلي – الأميركي مع سورية وحلفائها قد ينفتح على قتال مفتوح ليس بالضرورة أن تنتصر فيه «إسرائيل» المدعومة أميركياً. وهذا يؤكد أنه صراع قد يتدحرج إلى أنواع مفتوحة من الصراعات لن يكون بوسع الإسرائيليين والأميركيين إنجاز ما يريدونه. فسورية وحزب الله قادران على بناء منظومة دفاعية شديدة التعقيد يكفي أن لديها إمكانية الوقوف في وجه الحلف الأميركي – الإسرائيلي مع الكثير من الأقليات والأحلاف.. وهذا يفتح الشرق الأوسط السوري على معارك كبرى لن يتمكن الأميركيون من لجمها ضمن ما يريدون من أطر محدودة.
أين هو الحل؟
إن التقارب السوري – اللبناني يبدو الأداة الأساسيّة لبناء آليات قوية جداً تحمي سورية ولبنان من تلك الاستهدافات الأميركية – الإسرائيلية وتجعل لبنان بمنأى عن ألعاب إسرائيلية حاربته كانت تلعب «إسرائيل» بها في الكيان السياسي اللبناني وتستهلكه عسكرياً واقتصادياً. فهل هذا وارد مجدداً؟ ومن المستحيل أن تعاود إسرائيل اللعب بلبنان كما كانت تفعل في غابر الأيام. فهناك حلف سوري – لبناني قوي جداً لم يعد يبيح للعدو الصهيوني الهجوم على لبنان من دون أي دور سوري. كما أن الدور الإيراني يترقب بدور إمكانية فعلية للنيل من «إسرائيل» عبر منافذ مختلفة، لذلك فإن «إسرائيل» عبر حلفها مع الأميركيين تترقب الفرص للإمساك بالشرق الأوسط. من زاوية لبنان إلى سورية على أن تسدّد لإيران ضربات موجعة بالتنسيق مع الأميركيين.
لا بأس هنا من الإشارة إلى أن الأوروبيين حلفاء الأميركيين مصرون على الإمساك بلبنان عسكرياً واقتصادياً ولن يسمحوا له ثالثاً أن يؤدي وظيفة عسكرية أو اقتصادية مستقلة، لذلك فإن الضغط الأوروبي على لبنان من شأنه أن يزداد إلى مستويات مرتفعة جداً معرقلاً أي دور له في إطار الصراعات مع الإقليم هناك.
إذاً أوروبا وأميركا تتحضران لمنع بلاد الأرز من تحقيق أي دور في إطار العملين العسكري والاقتصادي بما يحول دون أية علاقة لها مع سورية الأسد ويبقى على لبنان من البلدان المستقلة التي لا تتعدى خطوط القتال الحالية لا إلى جانب سورية ولا إلى جانب الأميركيين. ما هو مستقبل لبنان إذاً؟ هناك اتجاه لإعادة بناء الصيغة اللبنانية التقليدية بين الموارنة من جهة والسنة من جهة أخرى والشيعة من جهة ثالثة بشكل تجري فيها إعادة صياغة لبنان بدعم أميركي أوروبي وسوري وربما بتأييد من جامعة الدول العربية، لذلك فإن اقتراب لبنان من سورية مسألة تحتاج إلى آليات عميقة من شأنها جعل بلاد الأرز بلداً متماسكاً بوسعه أداء أدوار عميقة في سورية ولبنان وإيران.
(البناء)