حافظ الأسد راية العروبة والمقاومة والتحرّر
غالب قنديل
يوم رحيل الرئيس حافظ الأسد يحفر عميقا في ذاكرة جيلنا، الذي عاصر هذا المارد العربي والقائد التحرّري، الذي عشنا شواهد حنكته وبعد نظره وحكمته، وصفحات مجيدة من كفاحه القومي، ومعالم ما بذله من جهود وتضحيات في سبيل سورية وحركة التحرّر العربية، وما خلفه من ميراث قومي تقدمي حضاري في سعيه لبناء الدولة الوطنية السورية الحديثة المتطورة والمتجذرة في انتمائها القومي.
اولا: تثبت الأعاصير العاتية، التي تعرضت لها الجمهورية العربية السورية أهمية موقعها ودورها، اللذين كرّس القائد الخالد جهوده في سبيل تعزيزهما وتحصينهما. وكانت إنجازاته ومبادراته، في المنطقة والعالم، تتركّز على تشبيك التحالفات والشراكات في عالم المعادلات المتحولة، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الحليف التقليدي الموثوق لسورية خلال عقود. وقد التقط الأسد بحسّه التاريخي وذكائه الاستراتيجي بشارة طهران، واحتضن الثورة الإيرانية قبل انتصارها، وكان الصديق والشريك الاستراتيجي التاريخي للدولة الفتية الصاعدة، التي بنتها بعد انتصار الثورة الخمينية. وقد تنامت تلك البذرة التاريخية العظيمة، التي رعاها القائد حافظ الأسد، وشكّلت ركيزة محور إقليمي تعاظم واكتسب القوة والحصانة بمعمودية التضامن في صولات وجولات تاريخية مشهودة ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في الشرق.
بات الحلف السوري الإيراني، عبر كفاحه وصموده وتلاحمه وتطوّره، محورا إقليميا، فرض تغييرا، هو الأول من نوعه في المنطقة منذ عقود، وروح القائد حافظ الأسد ماثلة في كل إنجاز وانتصار يحققه بناة المستقبل، والمدافعون عن الثغور في سورية ولبنان وفلسطين والعراق واليمن.
ثانيا: تعيش سورية يوميات صمودها وانتصارها اليوم، وتحصد إنجازات وثمارا وافرة لما أرساه القائد الخالد من توجهات وركائز للاستقلال الاقتصادي، تنتمي إلى منهجه الفكري التحرري والقومي، الذي أكدت التجربة التاريخية وتحديات الصراع ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي أهمية ترسيخه وتطويره، وهي العقيدة التي تحفِّز الإرادة الوطنية والقومية التحررية للدولة السورية والرئيس المقاوم القائد بشار الأسد، الذي يواصل بكل ثبات وحزم مسيرة التحرّر القومي، وبالأمانة الوثيقة لتطلعات الشعب العربي السوري والأمة العربية، في المرحلة الأشد صعوبة وتعقيدا من تاريخ الشرق والعالم، بعد التغوّل الفظيع للضواري الاستعمارية. والحقيقة التي يشهد بها الأصدقاء والخصوم، هي أن ثبات القلعة السورية على هويتها ومبادئها، رغم التحوّلات العاصفة والتحديات العاتية، كان من العلامات الفارقة في ملامح الشرق ونهوضه، رغم الحروب والأعاصير والزلازل الكبرى، التي تعرض لها، ويجمع المؤرخون على اعتبارها الأعنف والأخطر في تاريخنا المعاصر. وبصمة البشار ستبقى تطبع هذه الحقبة الفاصلة والمؤسسة لمستقبل واعد، سينعم به أبناء سورية والمشرق كلّه.
سورية اليوم تنفض غبار الحروب الدموية، وتستعد لنهضة عمرانية واقتصادية على ركام الدمار والخراب العظيم، لكنها قادرة بكل ثقة على قهر المصاعب، وفرض التحولات، بعدما حوّلت المحنة إلى معمودية صمود وثبات، وحصدت مزيدا من المصداقية والثقة، ورصيدا كبيرا، سيكون في خدمة معركة البناء والنمو لمارد إقليمي وقاري ضمن التكتل المشرقي الواعد، الذي شكّل التحالف السوري – الإيراني نواته، فكيف مع انضمام العراق واليمن ولبنان والمقاومة الفلسطينية، وما ستدشّنه هذه الكتلة من خطوات على طريق الشراكة السياسية والاقتصادية الإقليمية.
ثالثا: وُصفت سورية في الكثير من المصنّفات والأدبيات المعروفة عن تاريخ المنطقة بأنها قلب الشرق وروحه، وهي أثبتت بفضل القائد البشار جدارة استثنائية بهذا الوصف. فاليوم يتطّلع المراقبون والمتابعون إلى ملامح التحوّلات، التي ستعمّ الإقليم مع بوادر التعافي السوري وثماره، ويتبارى الخبراء والمحللون في بثّ توقّعات واعدة حول النهضة السورية المرتقبة، ونتائجها المتوهّجة، ومردودها الوفير من الهبات والفرص على جميع بلدان المنطقة وشعوبها، مع نهوض وتعاظم صروح سورية واعدة ومدهشة، يَتوقع انبثاقها الخبراء والمتابعون، ويرصدون ملامح تشكّلها المقبل.
ليس ما نسوقه حاصل فرضيات وتمنيات مثالية أو تأملية، بل هو ما يُجمع عليه الباحثون والخبراء المتابعون لأوضاع المنطقة وتحولاتها الاقتصادية والسياسية في التاريخ المعاصر، والرئيس القائد بشار الأسد، الذي أثبت قدرة استثنائية على تمثّل الدروس والعبر لإبداع منهج قيادي حازم في إدارة الصراع، تحدّى به ما وُصف بالمستحيل، سيثبت بالوقائع أنه الجدير، بحكمته وبمنطقه العلمي ووعيه التاريخي، بوضع سورية في طريق النمو والازدهار والتطور، مع ثبات النهج الاستقلالي التحرّري، وبالقدرة الخلاقة على شبك التحالفات والشراكات والارتقاء بها في وجه التحديات والمصاعب، بما يُكسِب بلاده رصيدا وثقلا نوعيا، ويعزّز ازدهارها، كما يضاعف قدرتها على التطوّر والتقدّم.