الاضطراب السياسي في الكيان الصهيوني
غالب قنديل
تشير الوقائع المتراكمة إلى دخول الكيان الصهيوني عهدا من الاضطراب السياسي وتفكّك مشهد التركّز والاصطفاف حول فريق حزبي من النخبة الاستعمارية، التي تنتدب لقيادة الكيان، وهو ما شهدناه دائما منذ اغتصاب فلسطين وتأسيس الكيان الاستعماري الاستيطاني على أرضها في ظل حملات منظمة للاقتلاع والتهجير والإحلال السكاني، قادتها الحكومات الصهيونية المتعاقبة في حقبتي تعاقب حزب العمل والليكود على قيادة الكيان الاستعماري الغاصب، وتصدّر الحركة الصهيونية في العالم.
أولا: تزامن ظهور التعدّد والاضطراب السياسي داخل الكيان الصهيوني، وفي بنية الحركة الصهيونية، مع الانكسارات المتلاحقة في البيئة الإقليمية، التي شهدت أفولا متصاعدا لغطرسة العسكرية الصهيونية وتسيُّدها في الإقليم، بدعم كثيف ومتواصل وسخي، قدّمه الحلف الأطلسي بقيادة الويات المتحدة.
من الطبيعي أن نشهد تحولات تراكمية في هذه المعادلة وتحوّلها، فانقلابها مع تفكّك العوامل، التي ارتكزت إليها، وحدوث تغييرات كبيرة ومؤثرة في المنطقة وتوازناتها، منذ دخولها في عهد نشوء وتنامي حركات المقاومة الشعبية والعسكرية، التي قدّمت نموذجا متماسكا وفاعلا، بل متفوقا في نمط جديد من الحروب والمعارك، خاضته القوى الشعبية المقاتلة بنجاح، في ظروف شديدة التعقيد، وضد جيوش غزو واحتلال، ثم ضد جحافل التكفير والتوحّش الدموي. وقد حقّقت تلك الحركات والقوى الشعبية، المقاتلة في ما بينها، علاقات من التنسيق وتبادل الخبرات شبكيا وخارج مأسسة التعاون ووضع قيود على تطوّره، أفقيا وعاموديا، بين فصائل متنوعة المشارب، تتواجد بصورة راسخة، وهي متجذّرة في ساحات الإقليم، وتتضامن وترصّ الصفوف، متساندة بكل تواضع وهدوء، في معارك الدفاع على امتداد بلدان المشرق وساحاته، من سورية إلى العراق فلبنان واليمن وفلسطين. وهذا التحول التاريخي يظهر و يتبلور للمرة الأولى منذ نكبة فلسطين.
ثانيا: المحور الإقليمي الذي انطلق من الحلف السوري الإيراني، وتوسّع، وتشعب، وبات يضم شبكة من الدول والحركات، تمتدّ بين اليمن والعراق وسورية ولبنان فلسطين، وهي تمتلك كمية هائلة من الخبرات القتالية، في ظروف متعدّدة ومتحوّلة شديدة التعقيد في مواجهة جيوش الاحتلال والغزو الأميركي والصهيوني، إلى فصائل التكفير والإرهاب من “داعش” و”القاعدة”، التي كانت وليدة نمط مستحدث في مذهب “القيادة من الخلف”، الذي اختطّته العسكرية الإمبراطورية الأميركية، بعد تعثّر حروب الغزو والاحتلال، وجنّدت لتنفيذه شبكة تنظيمات الإخوان المسلمين في بلدان المنطقة. وقد سعت الإمبراطورية الأميركية إلى اختباره في سورية والعراق، في إطار خططها العاثرة لاحتواء الفشل. وقد انكسر هذا الفصل من حروب الواسطة تحت وطأة اليقظة والتنسيق وتوحيد الخبرات وتبادل المعلومات، على مستوى محور المقاومة الإقليمي، بجميع حكوماته وحركاته الشعبية المقاتلة.
في حمّى الإخفاق الكبير اختار المخطّطون الأميركيون والغربيون العودة إلى أنماط تقليدية من التحايل والمناورة والالتفاف على التوازنات القاهرة بحيل ومناورات سياسية تقليدية، سخّرت في خدمتها الحكومات الإقليمية التابعة.
ثالثا: لم تبلغ التراكمات المحقّقة في مسار التحولات الكبرى الجارية في ساحات المنطقة مرحلة نضجها واكتمالها، الذي نرجّح تجلّيه وتبلوره بأنماط جديدة وعابرة للحدود من الشراكات الاقتصادية والتنسيق وتبادل الخبرات على الصعيد الدفاعي، ومع تحوّل محور المقاومة بدوله وحكوماته وقواته المسلّحة إلى حصن استراتيجي لقضية فلسطين وللمقاومة الفلسطينية، مما سيدشّن مرحلة، ستكون الأولى من نوعها تاريخيا منذ اغتصاب فلسطين عام 1948. وهذا الانقلاب الاستراتيجي التاريخي بات وشيك التحقّق، وهو كامن في قلب العديد من الظواهر السياسية والميدانية الراهنة، وما بعد اكتماله ونضجه وتبلوره، سيكون غير ما قبله، إيذانا بانتصارات كبرى استراتيجية، تغيّر وجه المشرق سياسيا واقتصاديا. وكلمتنا الفاصلة اليوم لجميع الأصدقاء والرفاق: إن حلم الشرق الجديد بات وشيكا، وكل ذي شأن كبير كان من قبل صغيرا.