ثلاثون عاما من تجربة قناة المنار الرائدة
غالب قنديل
يمرّ العيد الثلاثون لانطلاق قناة المنار، ونتلهف كأسرة إعلامية عربية ولبنانية مناصرة للنهج التحرّري المقاوم لمتابعة الكلمة الهامة، التي سيوجّهها قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله يوم الثلاثاء المقبل في المناسبة، وهو من موقعه القيادي، وبوعيه التاريخي المتقدّم لمسار الكفاح التحرّري، ولا سيما في المجال الإعلامي ومعركة الوعي، التي كرّس لها، مع أخوته المقاومين، جهودا جبارة وإمكانات كبيرة، بما نعرفه من وقائع تأسيس قناة المنار من الزملاء، الذين شاركوا في إطلاق هذه التجربة الإعلامية الناجحة والريادية، وما زال يتابع شخصيا الاهتمام بكيفية تطوير قدرتها على الانتشار وحمل رسالة التحرّر والمقاومة في الوطن والمغتربات.
أولا: العلامة الفارقة في تجربة المنار، التي راكمت نجاحات وإنجازات كبيرة على جبهات معركة الوعي، ومطاردة مصنّفات التضليل الكثيف، الذي تشنّه منصاتٌ وإمبراطوريات إعلامية، تسخِّر لها الحكومات الاستعمارية وملحقاتها في المنطقة العربية إمكانات هائلة وضخمة، نجاح هذه القناة وشقيقتها إذاعة النور واستمرارهما بتميز مهني مشهود. وينبغي التنويه بأن رعاية سماحة السيد حسن نصرالله الشخصية لهذه التجربة الرائدة، منذ انطلاقها، واهتمامه النوعي بها بموازاة رعايته للمقاومة بجميع تشكيلاتها وكوادرها وهمومها، وعائلات شهدائها وأسراها، كان عنصرا حاسما في ذلك. بل إن الوقائع تؤكد، وفق ما نعرفه من زملائنا في قناة المنار وإذاعة النور، أن قائد المقاومة وضع رعايته المباشرة والحية لمنابر حزب الله الإعلامية بموازاة رعايته ومتابعته لهموم المقاومين وشجونهم بدون استثناء. ونعرف الكثير من الوقائع عن المتابعة المباشرة، التي حظيت بها تفاصيل تقنية وعملية متعددة برعاية خاصة من هذا القائد الفذّ، الذي تميّز بإدراك أهمية امتلاك حركة مقاومة تحرّرية لأدوات مراكمة الوعي ومواجهة موجات التضليل الكثيفة، التي تتعرّض لها بلادنا بواسطة إمبراطوريات إعلامية عملاقة. وفي الحاصل الماثل أمامنا نستطيع أن نشهد، من موقعنا المهني، لأسرتي مؤسستي المنار والنور بتحقيق نجاحات هائلة، بل وبمراكمة حصاد مبهر في حمل رسالة المقاومة وبناء وعي شعبي جديد. وما تحظى به هاتان الوسيلتان الناجحتان من تعاطف واحترام وانتشار ومصداقية، هو البيان العميق والساطع عن الرقيّ المهني والديناميكية الاستثنائية في تغطية الأحداث وتنظيم إيصال الرسالة التحرّرية الى أوسع نطاق ممكن.
ثانيا: أضاف إعلام حزب الله، المتميّز بمصداقيته الى فعالية أدواته التقليدية، أي النور والمنار، حضورا واسعا في الفضاء الإلكتروني، يقضّ مضاجع الحلف المعادي، الذي لم يفلح في الحدّ من انتشار الإعلام المقاوم ومواقعه المتعدّدة، رغم كلّ ما يُسخّر من الإمكانات، التي يحشدها عتاة الحلف الاستعماري والرجعي في جميع بلدان العالم، لحظر كل ما يتصل بإعلام حزب الله وخطابه السياسي وأدوات التعبير والتواصل المرتبطة بالمقاومة في أي مكان من العالم. وعلى الرغم من التكالب، الذي حوّلت به الولايات المتحدة عقوباتها الى منظومة عالمية، تطارد الإعلام الحرّ والمقاوم، لتمارس تطهيرا شاملا في الأثير العالمي، فإن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وجدت لها، بفضل إبداع مناضليها وتمكّنهم التقني، منصاتٍ ونوافذ تخترق الفضاء السيبراني على مدى الكرة الأرضية، وتصل الى سائر بلدان العالم والمغتربات، ناشرة الحقائق والوقائع حول مجريات الصراع العربي – الصهيوني، وما يدور بالذات في فلسطين المحتلة ومن حولها، وهي تحمل، وعلى مدار الساعة، كلّ ما يصدر عن حركات المقاومة، وعن قيادة حزب الله وسماحة السيد حسن نصر الله الى جميع الأنصار والمتابعين، ولجمهورٍ يضمّ ملايين متزايدة متعاظمة في سائر أنحاء الكرة الأرضية. وينبغي أن نشهد للفرق التقنية الشابة، التي ترعى المنصات الإلكترونية المتشعبة والممتدة بإبداع استثنائي، وبكسب معركة الصراع والمنافسة مع أخطبوط عالمي متمكّن، أتقن احتكار الإمكانات والقدرات والتكنولوجيا، التي طوّعها المقاومون، واستطاعوا بجدارة أن يكسروا بها جدران المنع وحواجز التشويش الأميركية والغربية الصهيونية في كلّ مكان من العالم. ويقينا، إن كسب هذه المعركة، هو أحد الميادين، التي يثير فيها المقاومون وقائد المقاومة إعجابنا كمتابعين، مهنيا وعمليا، للتقدّم والتطوّر المدهش، الذي يسطّره هذا الحزب المناضل، رغم حجم المقدرات الهائلة، التي تسخّرها مراكز الهيمنة الاستعمارية والحكومات العميلة التابعة والحركة الصهيونية بأخطبوطها المنتشر في كلّ مكان على وجه الكرة الأرضية.
نستطيع اليوم أن نشهد بكسب هذه الجولة الحاسمة من معارك المجابهة الفاصلة مع معسكر الأعداء، وأن نشهد بارتباطها الوثيق بالتحوّلات العظيمة، التي حقّقها محورنا المقاوم التحرّري في هذا الشرق، دون أن نخفي من موقعنا المهني تطلعا أكيدا الى المزيد من الإنجازات والتراكمات في طريق تحرير إعلامنا كليّا، بالشراكة مع حلفاء المحور. فكل ذي شأن كبير كان صغيرا، والإنجازات التاريخية الهائلة تحقّقت ببذرة فكرة، توافرت لحامليها الإرادة، فأفلحوا في تحدّي الصعاب والعوائق.
ثالثا: أعود، كما في كلّ عام، وبهذه المناسبة بالذات، لأكرّر دعوتي الى الأشقاء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسائر أصدقاء محورنا التحرّري في العالم، وبالذات الصين وروسيا، إلى ضرورة السعي لامتلاك شبكة من الأقمار الصناعية المحرّرة من قيد الهيمنة التكنولوجية الأميركية والغربية، وهو النقلة النوعية، التي نفتقدها، ونحتاجها في منظومة الاتصالات والإعلام، التي تعني جميع البلدان الحرّة والشعوب المناضلة. فتحرير الفضاء من قبضة الهيمنة الأميركية وأدوات التحكّم التكنولوجي والسياسي، التي تفرضها في عالم اليوم، بات ضرورة لا بدّ منها لجميع البلدان والشعوب الحرّة، التي راكمت الكثير في سياق تجسيد طموحها التاريخي لبناء عالم جديد. وهذا ما يجب أن يبقى حاضرا على جداول أعمال جميع الأحرار والمناضلين، وبالذات من يهتمون بمعركة الوعي والنضال الفكري والثقافي، وبهموم الإعلام الجماهيري في جميع بلدان العالم. وهو هدف يستحق أن تتجنّد له العقول والإمكانات والخبرات، لتكسر حواجز الهيمنة والتحكّم الاستعماري بوسائل التعبير والاتصال في هذا العالم. ويمكن بقليل من التنسيق وتبادل الخبرات ومشاركة الإمكانات أن يصل المهتمون من دعاة التحرّر والاستقلال في العالم الى تحقيق هذا الإنجاز العظيم في وقت ليس ببعيد. ومن حقّنا أن نأمل من جميع أطراف محور المقاومة أن يضعوا هذا الأمر على جدول الأعمال الراهن والمستعجل. ونراهن بقوة أيضا، وبصورة خاصة، على ما نلمسه من وعي طلائعي متقدّم ومبكر عند سماحة السيد حسن نصر الله لهذه المسألة، ضمن لائحة همومه واهتمامه الحي بقضية المقاومة والتحرّر العربية.