نتائج مأزق حلف العدوان في اليمن
غالب قنديل
تؤكد يوميات اليمن تراكم عناصر انقلاب التوازنات، وتبلور مؤشرات سياسية وميدانية تشق الطريق لهذا التحول، الذي تؤسس له حركة أنصار الله بقوة وثبات، بعيدا عن أي استعراض كلامي، ومن غير أيّ مبالغات. ويبدو لمن يتابع أن هذه القوة الفتية الصاعدة في اليمن تطبعت بصبر ورسوخ محاربيها الشجعان، الذين يتحدّون مصاعب الطبيعة القاسية والوعرة لمسارح العمليات العسكرية، التي تشهد لانتصارات متلاحقة، يسطرونها بتضحيات جليلة وعزيزة، وبثبات منقطع النظير بعيدا عن سلوكيات الاستعراض والادعاءات الفارغة. وفي هذا السياق، تشير التقارير حول اليمن إلى تحول تراكمي يستقطب غالبية شعبية يمنية راجحة حول الحركة، التي أفلحت في بناء شبكة وطنية من التحالفات السياسية والعملية المتعددة، وتمسّكت بتقاليد الشراكة الوطنية، وبمرونة الاحتواء في تشبيك الطاقات والجهود، التي تَحشد في أطر متعددة غالبية شعبية ومجتمعية يمنية واسعة ومتنوعة.
أولا: إن النموذج الوطني التحرّري، الذي جسّدته حركة أنصار الله، يعكس مقدرة وتمكّنا في التعامل مع الخصوصيات والأولويات الوطنية اليمنية، وتقديم الأهداف المشتركة لترسيخ روحية العمل المشترك، مع مروحة واسعة من الأطراف السياسية المحلية والقوى الحية في المجتمع اليمني، تحت رايات التحرر الوطني. واستطاعت بجهود متواضعة ومدروسة أن تحفر مسارات مدهشة من النهوض الوحدوي التحرّري، وهو أحد العناصر الدافعة لتقدّم النضال اليمني، وللانتصارات المبهرة، التي يحصدها على الرغم من حجم القدرات والإمكانات السياسية والعسكرية والمالية، التي يكرّسها حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وشركائها في حلف الناتو وسائر الحكومات التابعة في المنطقة، القريبة منها والبعيدة. فقد سخّرت الأوامر الأميركية جميع الحكومات والقوى العميلة، التي تترنح اليوم في مأزق سحيق بلا قعر. بينما يحتفظ اليمنيون الشجعان بثباتهم وهدوئهم ورسوخهم، دون أي استعراض أو بهورة، بصورة تثير الإعجاب والاحترام.
ثانيا: يَجمع نهج القوى الوطنية اليمنية بقيادة أنصار الله حشدا من قوى المجتمع اليمني في مسيرة تحرّر واستقلال، ويقيم حالة قلّ نظيرها من التكاتف والتضامن في مسيرة وطنية متماسكة، تشق طريقها بكل ثبات، وتراكم انتصاراتها، دون استعراض، وبمنهجية حكيمة وناضجة، وحيث تُظهر قيادة أنصار الله مقدرة عالية واستثنائية، تثير الإعجاب، وتستحق التقدير، على إشراك جميع اليمنيين من سائر المشارب والاتجاهات في مسار الكفاح التحرري اليمني، وبإيثار عظيم، بحيث تحفظ القيادة في المقدمة أدوارا ومواقع بارزة لشركاء المسيرة التحرّرية، وبروح التضامن والشراكة في التضحية والعمل بإيقاع منسجم لتحقيق المشروع الوطني اليمني التحرري. وقد تحولت هذه المسيرة إلى نموذج فذّ يرقى إلى مصاف التجارب التحرّرية اللامعة، التي سبق لنا أن شهدناها في العقود الماضية، ولفتت انتباه النخب الإعلامية والفكرية والثقافية في العالم. ونستطيع، بكل موضوعية، أن نسجّل هنا درجة عالية من التقصير الفكري والسياسي والإعلامي العربي في مواكبة هذه التجربة اللامعة والواعدة، التي سيكون لها شأن عظيم في المستقبل القريب.
ثالثا: إن نهضة اليمن الجديد لم تعد بعيدة، وستكون نقطة انطلاق تاريخية لوضع جديد في المنطقة، وستشع بنتائجها وثمارها على المشرق، ولن تلبث تداعياتها أن تتفاعل وتتبلور في محيطيها القريب والأبعد، وتلك ستكون فصلا واعدا في مسار التطور التاريخي للشرق. فموقع اليمن وحجم المقدرات اليمنية يدعو لتوقّع تفاعلات هائلة وهادرة اقتصاديا واستراتيجيا، عدا عن إطلاق موجات العدوى والتفاعلات العميقة والنوعية بقوة النموذج التحررّي المنتصر في جوار اليمن، القريب والبعيد، ولذلك فإن البيئة الاستراتيجية الجديدة، التي تبلورت في الإقليم، خلال العقود الأخيرة، بنتيجة التحولات، التي فرضها محور المقاومة بسائر أطرافه، سوف تشهد طفرة نوعية مدهشة باكتمال الحدث اليمني السعيد، الذي سيكون ما بعده غير ما قبله في جميع بلداننا. وندعو من اليوم جميع المفكرين والمثقفين في محور المقاومة لإعداد الدراسات والاقتراحات، التي تستنبط من التجربة اليمنية دروسا لحركات التحرر والمقاومة في بلداننا، ومشاريع واقعية حية للتكامل الإقليمي على ميثاق التحرر والمقاومة بين بلدان مشرقنا.