سورية تنجح في الانتخابات كوجه من المقاومة والدفاع السياسيّ: العميد د. أمين محمد حطيط _
في بيان مشترك وقعته أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، رفضت تلك الدول الغربية الخمس الاعتراف بشرعية الانتخابات الرئاسية السورية ورفضت الاعتراف بشرعية الرئيس المنبثق عن هذه الانتخابات، وردّ الرئيس بشار الأسد على البيان وموقعيه بأنّ صوتَهم يساوي صفراً، وبأنّ سورية تملك قرارها المستقلّ وتمارس حقها السياديّ في اختيار حكامها من غير الوقوف على رضا أو غضب الخارج.
وبالمناسبة نقول إنّ الدول الموقعة على البيان هي من الدول التي قادت الحرب الكونية على سورية، الحرب التي رمى المعتدون فيها إلى إسقاط الدولة السورية وإعادة تشكيلها بتنصيب حكام عليها من دون أن يكون للقرار الشعبي السوري موقع في العملية، وهي أيضاً من الدول التي ساهمت وصاغت بيان جنيف 1 تاريخ 30 حزيران/ يونيو2012 الذي أسقط مؤسسات الدولة السورية القائمة ودعا إلى الدخول في مرحلة انتقالية لا يعلم إلا الله متى تنتهي، وينصّب على سورية فيها حكاماً بقرار أجنبي لا شأن للشعب فيه.
بيد أنّ الردّ السوريّ على بيان الدول الخمس وما سبقه وما تبعه من مواقف مماثلة، جاء الردّ في جوهره كما كان الردّ على الحرب الكونيّة في الميدان، وشبيهاً بالردّ على بيان جنيف 2012 ومماثلاً للردّ على محاولات الخارج مصادرة القرار السوري، كان رداً وطنياً مركباً متعدّد الوجوه، دفاعاً عن سورية وقرارها المستقلّ وسيادتها. ردّ تمثل بالمضيّ قدماً في إجراء الانتخابات حتى منتهاها، وإشراك السوريين في الداخل والخارج (حيث أتاحت السلطات الأجنبية ذلك) بها ثم تحويل الانتخابات إلى عرس وطني احتفالي لإرسال رسالة للخارج تقول بأن السوري في ذهابه إلى صندوق الاقتراع وإسقاط الورقة فيه إنما يمارس فعل دفاع عن الوطن، ويقوم بواجب وطني في ذلك فضلاً عن انه يمارس حقاً سياسياً سيادياً وطنياً كان عرضة للضياع في حال انتصر المعتدون على سورية في الحرب الكونية التي شنّوها.
إذن ومن باب إجراء الانتخابات الرئاسية، تشكل ميدان صراع جديد بين الدولة السورية بشعبها وسلطتها من جهة وبين قوى امتهنت العدوان على سورية وخاضت ضدها حرباً مباشرة أو بديلة استعملت فيها الإرهاب المتعدد الأشكال من عسكري وأمني ميداني إلى سياسي ودبلوماسي وصولاً إلى الإرهاب والحرب الاقتصادية والمالية التي رمت إلى تجويع الشعب السوري لتركيعه. أما الدولة السورية فقد مارست حق الدفاع المشروع عن النفس في كل ذلك وكما واجهت في الميدان قررت المواجهة في السياسة، ونظرت إلى الانتخابات وهي محقة في ذلك، نظرت إليها على أساس أنها وجه من وجوه الدفاع عن الذات والسيادة والقرار المستقلّ لا يختلف في مفهومه عن أسلوب وحق الدفاع عن النفس في الميدان عسكرياً وأمنياً، وأقيمت المعادلة في ذلك بالقول «كلّ صوت في صندوق الاقتراع هو بمثابة رصاصة في صدر المعتدي المهاجم».
فالانتخابات الرئاسية الحالية تعدّت في هذه الظروف سقف وظيفتها الأساسية باعتبارها ممارسة لحقّ سياسي وطني، ووصلت إلى سقف أهمّ وأخطر هو ممارسة حق الدفاع عن النفس وعن السيادة والقرار المستقلّ، والتمسك بدستور البلاد وقوانينها تلك القوانين التي أراد العدوان إسقاطها وتجاوز إرادة الشعب في اعتماد سواها وفرض دستور آخر بصياغة أجنبية وإقامة مجلس حكم بإرادة غربية كما فعلت أميركا في العراق عندما احتلته وفكّكت الدولة وصاغت لها دستوراً هو دستور بريمر ونصّبت عليها حكاماً عبر مجلس الحكم الانتقالي. أما سورية فقد صمدت ودافعت عن نفسها وعن قرارها المستقلّ السيادي وانتصرت، والآن تستكمل دفاعها واستثمار انتصارها سياسياً بإجراء هذه الانتخابات التي تكون من الطبيعي مبعث ألم وحسرة لدى الأعداء. أما اللجوء إلى التشكيك من باب النزاهة والشفافية الخ… فمكانه بحث آخر والكلّ يعلم أنّ من يشككون بنزاهة الانتخابات السورية هم أنفسهم كانوا شككوا بانتخابات بلادهم أو شككوا بنزاهة الانتخابات التي جاءت بهم.
وهنا وبالمناسبة نذكر بالقواعد السياسية والدستورية العامة حيث إنّ الانتخابات تشكل في النظم الديمقراطية السلوك الأساس للعودة إلى الشعب لإطلاق عملية تشكيل السلطة بدءاً من اختيار مَن يمثله وصولاً إلى اختيار من يتولى السلطة ويباشر الحكم ويشارك فيه. وبات أسلوب العودة للشعب للوقوف على رأيه وقراره الأسلوب الأمثل والأوسع انتشاراً في العالم في إطار ما يسمّى العمل بالديمقراطية وتكريس مفهومها القائم على القول بأنها نظام حكم الشعب (ديموDIMO = شعب – قراطي CRATIE = حكم).
بيد انه في التطبيق شاب العمل الكثير من الثغرات خاصة مع جنوح بعض السلطات التي تتولى تنظيم الانتخابات وإجرائها إلى الإكراه والضغط وتزوير الإرادة الشعبية لإنتاج سلطات أو حكام بخلاف تلك الإرادة، وقد شكا الرئيس الأميركي الحالي بايدن من الديمقراطية الأميركية المعمول بها حالياً واعتبرها مشوّهة، كما رفض المرشح الخاسر دونالد ترامب نتائج الانتخابات حتى كاد أن يقود البلاد إلى حرب أهلية لأنه رأى أنّ هناك تزويراً وتلفيقاً في الانتخابات الرئاسية حرمه من الفوز فيها.
وللتخفيف من مساوئ التطبيق المنحرف للديمقراطية والتخفيف ما أمكن من مساوئ الانحراف في الانتخابات، عمدت كثير من الدول إلى إجراءات ضابطة ورادعة بقدر الإمكان على سبيل الترشيد في الترشيح حتى لا يترشح من ليس هو أهل للسلطة ويستغلّ نفوذاً ما مالياً وميدانياً أو الخ… ويخدع أو يضغط على الشعب بهذا ويتولى السلطة وهو غير مستحق، كما تمّ اللجوء إلى أساليب رفع يد السلطة التنفيذية عن العملية وإدارتها وإناطة الأمر بالسلطة القضائية، ومن التدابير أيضاً اشتراط أكثريات موصوفة للفوز كأكثرية الثلثين أو المطلقة الخ…
ولكن رغم كلّ ذلك لم يصل العالم إلى المستوى الذي تنفذ فيه انتخابات في أيّ بقعة من الأرض من دون أن تجد من يشكك بنتائجها وبآلية إجرائها، ورغم ما يسجل من إقرار الخاسر بنتائج الانتخابات ومبادرته في بعض الأحيان إلى تهنئة الفائز فإننا لا نزال نسجل الإنكار الباطني الخفي والتشكيك المضمر من قبل الخاسر. لكن الانتظام العام وضرورة السير قدُماً في الحكم والحاجة إلى الاستقرار جعلت الخاسرين يبلعون ألسنتهم بعد فترة ويسلّمون بالأمر الواقع ودعت الرابحين في معظم الحالات إلى استيعاب الآخرين والعمل بقاعدة «كنت مرشح فئة وأصبحت حاكماً للجميع“.
إذن التشكيك بنتائج الانتخابات ليس أمراً جديداً في أيّ من الدول بما فيها الدول الخمس الموقعة على بيان التشكيك بالانتخابات السورية والتي كان آخرها كما ذكرنا تشكيك ترامب بفوز بايدن ووصف بايدن لديمقراطية أميركا بالمشوّهة والهشة.
أما في سورية / ورغم الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها ورغم تمظهر الانتخابات في شكل وأهداف تتعدّى وظيفتها السياسية إلى المعنى الدفاعي عن الدولة، فإننا نسجّل لمن أجرى هذه الانتخابات وللشعب السوري الإيجابيات الهامة التي تنسف أيّة نزعة أو محاولة داخلية أو خارجية للتشكيك بهذه الانتخابات وبما ينجم عنها وأنّ أهمّ ما يسجل هنا:
1 ـ على الصعيد الشعبي تحوّلت الانتخابات في الداخل والخارج إلى عرس وطني سوري يحتفل فيه بانتصار سورية على أعدائها وصمودها دولة موحدة تحتل مقعدها في المنظومة الدولية عامة وفي الأمم المتحدة خاصة، وبالتالي كان من يذهب إلى الانتخاب يقول أنا أذهب ليشكل صوتي قذيفة أو صاروخاً أو رصاصة أدافع بها عن وطني ضدّ أعدائه». (سمعنا هذا حرفياً على لسان عدد من السوريين).
2 ـ على الصعيد الدولي الصديق، شكلت مشاركة 14 دولة من أصدقاء سورية شهادة دولية لسورية بجدية انتخاباتها وبالفرح الشعبي السوري بهذه الانتخابات وبالإرادة الشعبية الواضحة فيها فضلا عن التفاف الشعب حول قائده الذي قاد الحرب الدفاعية عن سورية وانتصر، الأمر الذي يشجع تلك الدول الصديقة أو الحليفة على المضيّ قدماً لا بل تطوير علاقاتها بالرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد الشعب ثقته به.
3 ـ على الصعيد الدولي المعادي، فضحت هذه الانتخابات مواقف أعداء سورية والشعب السوري، حيث إنّ هؤلاء منعوا السوريين على أرضهم من ممارسة حقهم بالانتخاب ورغم أنّ الادّعاء بعدم النزاهة وممارسة الضغوط ساقط لأنّ صندوق الاقتراع هو خارج الأرض السورية وعلى أرض تلك الدول إلا أنهم كانوا يخشون نتائجها لأنهم يعرفون أنّ الشعب وخلافاً لما يلفقون يريد بشار الأسد وهذا ما يثيرهم ويغضبهم فمنعوا الانتخابات إما بقرار كما حصل في تركيا وألمانيا، أو محاولة المنع بالاعتداء الجسديّ، كما حصل في لبنان.
4 ـ على الصعيد التنظيمي والإعلامي حققت سورية نجاحاً كبيراً، فاستطاعت الدولة رغم ما تعانيه من ظروف صعبة أن تنظم تلك الانتخابات وفقاً لأفضل المعايير المأخوذ بها دولياً وفي أفضل ما يمكن ونجح الإعلام الوطني السوري في إبراز ذلك إيما نجاح.
*أستاذ جامعي – خبير استراتيجي
(البناء)