من الصحف الاميركية
تناولت الصحف الاميركية تعامل الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن مع إسرائيل والأزمة الأخيرة في غزة، ونشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا لإيشان ثارور بأن نقاد الإدارة إلى عدم اهتمام البيت الأبيض بالشرق الأوسط، الذي ركز أولويات السياسة الخارجية بعيدا عنه.
فمن رموز اليمين مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي اتهم الرئيس بايدن بعدم الوقوف بشكل “لا لبس فيه” مع إسرائيل في وجه الصواريخ، إلى حزبه الذي قام فيه عدد من نوابه باتهامه بعدم الاستعداد لنقد سياسات وأفعال إسرائيل بشكل واضح، وبشأن دور الولايات المتحدة في وصول الأزمة عند هذه النقطة.
ومن جانبه، أصدر بايدن سلسلة من التصريحات الفاترة، دعا فيها لخفض التصعيد ودافع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وراوغ في حديثه عن أخطاء الطرفين، ولكن إدارة بايدن عملت مرة أخرى على حماية إسرائيل في مجلس الأمن، ومنعت صدور قرار يشجبها، ويدعو لوقف إطلاق النار.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات للتلفزة الأمريكية والإسرائيلية، أنه ليس جاهزا لوقف العمليات العسكرية مهما كان الضغط الدولي، بسبب الإفراط في استخدام القوة.
وفي الوقت الذي تبرر فيه إسرائيل دكها لغزة بأنه ضرورة، إلا أن ضرباتها أدت لاستشهاد المدنيين واستهدفت بنايات وأبراجا منها واحد استخدمه الإعلام الدولي، وأجبر الآلاف على ترك منازلهم المزدحمة ومن بينهم أبناء عائلات أجبروا على ترك منازلهم في 1948 بعدما احتلت القوات الإسرائيلية والعصابات المسلحة بيوتهم.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا تحدثت فيه عن الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي، حيث ينظر اليسار الصاعد في الحزب إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره قضية عدالة عرقية مُلحّة.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي إنه عندما دفع جيمس زغبي، مؤسس المعهد العربي الأمريكي، الديموقراطيين إلى ذكر السيادة الفلسطينية في برنامجهم في سنة 1988، رد قادة الحزب بتحذير واضح: “إذا كانت كلمة فلسطين في البرنامج ستنفتح أبواب الجحيم” وحرصًا على تجنب مواجهة غاضبة في المؤتمر وُضعت القضية الفلسطينية على الرف دون تصويت.
مع إعادة أعمال العنف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية القضية إلى واجهة السياسة الأمريكية، ظهرت الانقسامات بين قيادة الحزب الديمقراطي والجناح اليساري في المشهد العام. ففي حين أن إدارة بايدن تتعامل مع الصراع المتنامي باعتباره تحديا دبلوماسيا شديد الحساسية يشمل حليفا قديمًا، فإن اليسار الصاعد ينظر إليه على أنه قضية عدالة عرقية مؤلمة ومرتبطة ارتباطا وثيقا بسياسات الولايات المتحدة.
بالنسبة لهذا الشق لا تختلف الحقوق الفلسطينية والصراع المستمر منذ عقود على الأراضي عن قضايا مثل وحشية الشرطة وظروف المهاجرين على الحدود الأمريكية المكسيكية. يقوم نشطاء الحزب الذين يناضلون من أجل العدالة العرقية الآن بنشر رسائل منددة بـ “احتلال فلسطين” باستخدام وسم “حياة الفلسطينيين مهمة“.
ذكرت الصحيفة أنه مع وجود الرئيس بايدن في البيت الأبيض، فإن الدعم الأمريكي التقليدي لإسرائيل بالكاد موضع تساؤل من منظور السياسة، ذلك أنه أظهر دعمه لها طوال ما يقرب من 50 سنة من مسيرته السياسية ومشاركته في الحياة العامة. لكن وجهات النظر متباينة حيال هذا الشأن في أوساط الحزب الديمقراطي.
يوم الخميس عرض مجموعة من الأعضاء التقدميين البارزين في الكونغرس انفصالا نادرا عن وحدة الحزب، وألقوا خطابات لاذعة في قاعة مجلس النواب اتهمت بايدن بتجاهل محنة الفلسطينيين و”الانحياز إلى جانب الاحتلال”. تحدت النائبة ألكساندريا أوكاسيوـ كورتيز عن نيويورك الرئيس مباشرة، الذي أكد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وتساءلت في خطاب حماسي: “هل للفلسطينيين الحق في البقاء على قيد الحياة؟ هل نؤمن بذلك؟ وإذا كان كذلك، فإننا نتحمل مسؤولية هذا الأمر أيضا“.
بعد أقل من 24 ساعة، يوم الجمعة، أصدرت ما يقرب من 150 منظمة ليبرالية بارزة بيانا مشتركا دعت فيه إلى “التضامن مع الفلسطينيين” وإدانة “عنف الدولة الإسرائيلية” و”مبدأ التفوق” في القدس. وتم التوقيع على البيان من قبل مجموعات تركز على قضايا الشرق الأوسط واليهودية، وأيضا من قبل مجموعات تعنى بقضايا مثل تغير المناخ والهجرة والنسوية والعدالة العرقية، وذلك علامة على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد تجاوز بكثير حدود السياسة الخارجية.
ونقلت الصحيفة قول قادة أكبر جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في البلاد، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، إنهم واثقون من دعم البيت الأبيض والكابيتول هيل لهم، مشيرين إلى استمرار دعم الكونغرس بعدة مليارات من الدولارات كمساعدات لإسرائيل سنويًا.
قبل أن تأخذ أوكاسيوـ كورتيز وغيرها من الليبراليين الكلمة في مجلس النواب يوم الخميس، عرض مشرعون ديمقراطيون آخرون “دعمهم الثابت والراسخ” لإسرائيل، في هذا الصدد قال النائب تيد دوتش، وهو ديمقراطي من فلوريدا: “من فضلكم لا تنخدعوا بخيارات كاذبة: إسرائيل أو حماس. إذا طُلب مني الاختيار بين منظمة إرهابية وحليفنا الديمقراطي، فسأقف إلى جانب إسرائيل“.
مع ذلك، حتى السيناتور روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ المعروف بدعمه القوي لإسرائيل، وجه توبيخا نادرا يوم السبت أدان فيه الضربات الأخيرة التي قتلت مدنيين فلسطينيين ودمرت مكاتب إعلامية. في المقابل، لم ترد إدارة بايدن على طلب التعليق على انتقادات اليسار.
وذكرت الصحيفة أنه لعقود من الزمان، قدم الحزبان دعما شبه كامل لإسرائيل، مع اعتبار عبارات مثل “الاحتلال” و”فلسطين” بعيدة عن النقاش المقبول في واشنطن. لكن الديمقراطيين اليساريين لم يعودوا يخجلون من مثل هذه الشروط. وقد أشارت النائبة عن ميشيغان، رشيدة طليب، وهي أمريكية من أصول فلسطينية من ديترويت، إلى أنه “تذكير للزملاء بأن الفلسطينيين موجودون بالفعل، وأننا بشر”، قبل أن تدين “حكومة الفصل العنصري الإسرائيلية” من قاعة مجلس النواب.
يعكس الجدل داخل الحزب الديمقراطي انقساما طويل الأمد بين اليهود الأمريكيين، وهم مجموعة ديمقراطية وعلمانية في الغالب متورطون في صراعهم الخاص حول كيفية النظر إلى التوترات الإسرائيلية الفلسطينية. ويرى جيل أكبر عمرا أن إسرائيل هي شريان حياة أساسي وسط تزايد معاداة السامية العالمية، بينما يناضل الناخبون الشباب للتوفيق بين السياسات اليمينية للحكومة الإسرائيلية وقيمهم الليبرالية.
أظهر استطلاع نشر الأسبوع الماضي من قبل مركز بيو للأبحاث أن ثلثي اليهود الأمريكيين البالغين من العمر 65 سنة فما فوق وصفوا أنفسهم بأنهم مرتبطون عاطفيا بإسرائيل، مقارنة بـ 48 بالمئة من البالغين اليهود دون سن الثلاثين. وقال دانيال جورديس، نائب الرئيس الأول في كلية شاليم في القدس إن “صعود سياسات الهوية جعل هذا الأمر شبه محتوم“.
في كتابه الأخير، تطرق جورديس إلى أسباب الخلاف القائم بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل، مشيرا إلى أن تاريخ اليهود وإسرائيل يجب ألا يُنظر إليه من منظور التاريخ العنصري والسياسي للولايات المتحدة. وقال إن تجربة إسرائيل مميزة بسبب العلاقات التوراتية اليهودية بأرضها ولأن الدولة تأسست جزئيا كملاذ من معاداة السامية بعد الهولوكوست.
بالنسبة لبعض الديموقراطيين اليهود الذين يعتبرون أنفسهم من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل، فإن العلاقة بين الرئيس السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو أضافت عنصرا حزبيا إلى قضية معقدة بالفعل. وحقق ترامب هدفا إسرائيليا طال انتظاره يتمثل في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
في المقابل، قام نتنياهو بتلميع صورة ترامب بين الجمهوريين والمسيحيين المحافظين في الولايات المتحدة، وعزز موقفه مع القادة الإنجيليين الذين يمارسون نفوذا على الناخبين الذين كان لهم دور حاسم في دعم ترامب في الانتخابات.
أظهر نفس الاستطلاع أن حوالي ربع اليهود في الولايات المتحدة يصوتون للجمهوريين، وهي زيادة ملحوظة في السنوات العديدة الماضية. وساهم اليهود الأرثوذكس في هذا التحول إلى حد كبير. لقد أظهر استطلاع “بيو” أن حوالي ثلاثة أرباع اليهود الجمهوريين قالوا إنهم شعروا بارتباط قوي بإسرائيل، بينما أعرب 52 بالمئة فقط من الديمقراطيين اليهود عن نفس الاعتقاد. في الحقيقة، يقر الديموقراطيون اليهود بأن الولايات المتحدة تعتبر داعمة قوية لإسرائيل.
أشارت الصحيفة إلى أن وجهات النظر المتغيرة بشأن إسرائيل والفلسطينيين لم تمر مرور الكرام من قبل الديمقراطيين اليهود. ففي رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالكنيس ومجموعات واتساب الخاصة، يشعر اليهود الأمريكيون بالقلق بشأن ما إذا كان هناك دعم صادق لإسرائيل في الحزب، وينشرون تفاصيل حول مسيرات التضامن ويشجعون أعضاءهم على الوقوف يدا بيد.
من جهته أعرب الحاخام شاي شيري عن قلقه من أن يؤدي دعم إسرائيل إلى الانقسام. مع صعود أوكاسيو كورتيز واليسار، ودعم اليمين لحكومة نتنياهو، قال شيري في مقابلة له إنه يشعر بأن “اليهود الأمريكيين الليبراليين سيتعرضون للضغط“.
مثل العديد من رعاياه، يشكك شيري في سياسات حكومة نتنياهو، لكنه قال إن هذا الوقت ليس مناسبا لمناقشة النقاط الدقيقة في السياسة. وفي الأسبوع الماضي، أرسل بريدا إلكترونيا إلى أتباعه يحثهم على “الوقوف متحدين ضد أولئك الذين يشنون الحرب على وجود دولتنا اليهودية الواحدة والوحيدة“.
خلال الأشهر الأربعة الأولى من تولي منصبه، أولى بايدن القليل من الاهتمام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن أعمال العنف في الأيام الأخيرة، التي تعد الأسوأ على الإطلاق، أثبتت مدى صعوبة القضية. والآن، يجد بايدن أن إدارته تتعرض لضربات من قوى متصارعة داخل تحالفه. يقول بعض المانحين الأكثر سخاءً للقضايا الإسرائيلية والسياسة الديمقراطية، إنهم قلقون بشأن الأصوات الجديدة داخل حزبهم.
من جانبه، قال حاييم سابان، أحد المانحين البارزين الذي انضم مؤخرا إلى منظمة غير حزبية أنشأها جاريد كوشنر، صهر ترامب، لتعزيز العلاقات بين أربع دول عربية وإسرائيل: “لا ينبغي أن يكون هناك جدال بشأن إسرائيل. إنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأوثق حليف لنا في المنطقة“.
في الأسبوع الماضي، اقترح رون ديرمر السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، أن تركز إسرائيل أكثر على الدعم “العاطفي والصريح” للمسيحيين الإنجيليين بدلاً من اليهود الأمريكيين. لكن العديد من التقدميين اليهود يدعون الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية إلى التخلي عن الصراع الحزبي وتجاوز ما يسمونه الخيار الخاطئ بأن يكونوا إما مؤيدين لإسرائيل أو للفلسطينيين، ونقلت الصحيفة عن الحاخام شارون بروس أن “معظم اليهود الأمريكيين يتطلعون إلى رؤية الإسرائيليين والفلسطينيين وهم يعيشون بكرامة، في مجتمع عادل ومنصف”. وأكدت على “ضرورة البحث عن حل وسط والالتفات إلى معاناة كلا الشعبين وخلق مستقبل عادل ومشترك للجميع“.