صاروخ ديمونا فشل مزدوج “اسرائيلي – أميركي” د. منذر سليمان وجعفر الجعفري
سارع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة كينيث ماكينزي إلى تخفيف وطأة إخفاق أحدث نظم الدفاعات الجوية الأميركية، “الباتريوت”، في الكشف عن صاروخ أطلقته سوريا في 22 نيسان/إبريل الجاري، ضد أهداف جوية “إسرائيلية”، وفي تعقبه والتصدي له، والحد من قلق المؤسسة العسكرية ومراكز صنع القرار على السواء، وكذلك الحلفاء، من تداعيات الحادثة، وخصوصاً بعد نفاذه بنجاح إلى أقصى مداه الافتراضي نحو 250-300 كلم.
وأكّد ماكينزي للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في 22 نيسان/إبريل الجاري، أن الصاروخ “انحرف عن مساره لفقدان (سلاح الجو السوري) القدرة على إصابة الطائرات المغيرة”. وأضاف أن الحادث “يعكس عجز نظام الدفاع الجوي السوري، ولا أعتقد أنه كان هجوماً مقصوداً، لغياب القدرة” الميدانية.
كان لافتاً غياب حدث مهم يخص القوات الأميركية في سورية عن التغطية الإعلامية أو مجرد الإشارة له في شهادة ماكينزي، وهو تعرض قافلة مؤن عسكرية أميركية لهجوم عندما كانت في طريقها إلى حقل العمر النفطي في شمال شرقي سوريا، يوم 21 نيسان/إبريل 2021، وُصف بأنه الأول من نوعه ضد قافلة مسلّحة.
تصدّر “انحراف” الصاروخ السوري، الذي أشار إليه البنتاغون بأنه أرض – جو من طراز “سام-5” مجمل اهتمامات الخبراء العسكريين والسياسيين ووسائل الإعلام، تعبيراً عن قلق دفين من “تنامي مخاوف التصعيد (العسكري) في منسوب التوترات الراهنة بين إسرائيل وسوريا وإيران”، لسقوطه قرب بلدة أبو قرينات على بعد “30 كلم من منشأة ديمونا النووية”، بعد قطعه مسافة بلغت نحو “256 كلم من حدود هضبة الجولان” المحتلة (يومية “واشنطن بوست”، 22 نيسان/إبريل 2021) .
ونقلت الصحيفة على لسان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” السابق، عاموس يدلين، قوله إن الصاروخ السوري “قديم، وهو مضاد للطائرات، ولم يُعدّ لضرب أهداف أرضية”، في سعيه لاستبعاد استهداف مفاعل “ديمونا” بسلاح من سبعينيات القرن المنصرم.
بعض التقارير الميدانية الأولية حدّدت موقع سقوط الصّاروخ وشظاياه في بلدة عرعرة النقب التي تبعد نحو 10 كلم شمال ديمونا، وقد سُمع صوت “إطلاق صافرات الإنذار” في بلدة أبو قرينات الفلسطينية ” قرب مفاعل ديمونا”، كما رُصد سقوط بعض شظاياه في بركة سباحة في حيّ سكنيّ في مستعمرة “أشليم” جنوب مدينة بئر السبع (شبكة “فوكس نيوز” نقلاً عن شبكة “بي بي سي” البريطانية، 22 نيسان/إبريل 2021).
العنصر الكامن في القلق الأميركي هو ما يحمله الرأس المتفجر للصاروخ (217 كلغ من مواد شديدة الانفجار، وباستطاعته حمل رأس نووي) من رسائل لمن يعنيهم الأمر، وخصوصاً تهديده المباشر لما أطلق على تسميته “مبدأ الأخطبوط الإسرائيلي”، الذي يطالب بتسديد ضربات موضعية لدول ومنظمات مناوئة لسياسة الولايات المتحدة، بدءاً من سوريا، وامتداداً إلى “حزب الله”، ومن ثم إيران.
من خصائص الصاروخ الخمسيني المعروفة أنه صُمّم كسلاح مضاد لأهداف متوسطة إلى عالية الإرتفاع، ويصل مداه إلى نحو 300 كلم، بعلوّ أقصاه 30 كلم عمودياً. يبلغ وزنه عند الإطلاق نحو 10،000 كلغ، وينطلق بمحرك ذي ثلاث مراحل دفع، بسرعة قصوى تصل إلى 3.5 ماخ. تتكون كل بطارية من “سام-5” من 6 قواذف صواريخ ورادار للتحكم بالنيران، ويمكن وصله بمحطة رادارية بعيدة المدى، وهو يوجّه لاسلكياً في مرحلة الانطلاق الأولى، ومن ثم بتوجيه راداري إيجابي (شبكة “سبوتنيك” الروسية للأنباء).
إضافة إلى فشل منظومات “الدفاع الإسرائيلية” المتعددة (السهم والمقلاع والقبة الحديدية)، وهي العنصر الأشد أهمية في التصدي للصاروخ، فقد فشلت أيضاً أحدث منظومة للدفاع الجوي الأميركي من بطاريات “الباتريوت” التي كان ينبغي لها “تفعيل نظمها بعد رصد واستقراء الموقع الذي سيسقط فيه الصاروخ، ومن ثم إطلاق صافرات الإنذار في المنطقة المحددة، تتبعها عملية الاعتراض“.
روّجت وزارة الدفاع الأميركية لمنظومة “باتريوت” بأنها “واحدة من بين منظومات الدفاع الجوي الأكثر تطوراً في العالم” (بحسب بيانات شركة “راثيون” المصنّعة). دخلت الخدمة الفعلية في العام 1976، وجرّبت ميدانياً في حرب الخليج في العام 1991. تنقسم منظومة الصواريخ أرض-جو إلى 3 أجزاء: مركبة الرادار وغرفة التحكّم ومنصّة الصواريخ، وهي تستخدم نوعين من الصواريخ “PAC-2” القديمة، وتحمل 4 صواريخ تطلق عن بُعد بالألياف البصرية، و “PAC-3” المطورة، التي دخلت الخدمة في العام 2002، وهي تحمل 16 صاروخاً تمتد فعاليتها إلى أكثر من 100 كلم، وتستهدف أكثر من 100 هدف وتتبعها في آن واحد.
يقوم الرادار عبر المسح الإلكترونيّ السلبيّ بتحديد الأهداف ورصدها وتحديد سرعتها ومسارها، وما إذا كانت معتدية أو صديقة، ويرسل بياناته إلى غرفة التحكم التي تصدر بدورها أوامر الإطلاق إلى منصة الصواريخ التي تطلق الصاروخ المناسب للهدف، سواء كان طائرة أو صاروخاً باليستياَ (شبكة “سي أن أن”، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2018).
الثابت في هذا الشق العملياتي قرب مفاعل “ديمونا” أنه “لم يجرِ اعتراض الصاروخ أساساً، إذ انفجر في الجو ،كما يبدو، ووقعت شظاياه في النقب” (بحسب بيانات “الجيش الإسرائيلي”)، الأمر الذي دفع “رئيس حزب إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان إلى التصريح بأن “قوة الردع سُحقت“.
يُشار أيضاً إلى فشل المنظومة الأميركية للدفاع الجوي المزودة بأحدث أجهزة الرادار في “كشف وإسقاط الطائرات المسيّرة اليمنية” التي تستهدف مواقع عسكرية ومنشآت اقتصادية حيوية في عمق الأراضي السعودية.
رافق إقرار البنتاغون بإخفاق منظومته الأحدث في الدفاعات الجوية اعتراف “وزير الأمن الإسرائيلي” بيني غانتس في مؤتمر صحفي، سعياً لاحتواء تداعيات الفشل، قائلاً: “تم إطلاق صاروخ مضاد للطائرات من نوع “SA-5” وقد اجتاز المنطقة. جرت محاولة لاعتراضه، لكنها لم تنجح. لا زلنا نحقق في الحادث“.
تخصص الولايات المتحدة وحلفاؤها جهوداً متجددة للتوقف على مكامن الفشل أو الإخفاق في عمل المنظومة التي صدّرتها إلى عدد من الدول، بما فيها الدول العربية، مثل مصر ودول الخليج، وخصوصاً في ظل استراتيجيتها التصعيدية ضد الصين وروسيا في البعد الجيو استراتيجي والصراع الكوني بطبعته الراهنة.
الأثر الردعي المحتمل للصّاروخ السوري
بقطع النّظر عن التكهّنات التي راجت بأن إطلاق الصاروخ كان مقصود التوجيه، بزاوية تجعله يستهدف منطقة ديمونا ،فإن الفشل “الإسرائيلي – الأميركي” المزدوج في التصدي له يعيد التذكير بحقيقة امكانية استخدام مثل هذه الصواريخ ، كصواريخ أرض – أرض، وفق زاوية معينة، وإن كان لا يمكن التحكم بدقة التوجيه المعتمدة في صواريخ أرض- أرض التقليدية. وخلال أي عدوان، سيتيح تفعيل هذا الخيار لصدّ الإعتداءات الأسرائيلية المتكررة على سوريا قدرة ردعية لا يجوز التقليل من أهميتها.
سبق لأحدهم أن وصف الكيان الإسرائيلي بأنه في نهاية المطاف مجرد “جيش إحتلال له دولة”، ويمكننا القول في حروب العقود الأخيرة أنه مجرد “سلاح جوّ لجيش ودولة”. وعندما يتمّ لجم سلاح الجو الإسرائيلي وشل فعاليته بمنظومات دفاع فعّالة او بإطلاق الصواريخ الدقيقة، رداً على أي إعتداء إسرائيلي، يصبح الكيان على شفير الإنهيار والإستسلام .