هيومن رايتس ووتش: إسرائيل تمارس الاضطهاد بحق الفلسطينيين
أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية في تقرير أصدرته أن السلطات الإسرائيلية ترتكب الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد في الاراضي المحتلة عام 1967، وجريمة أخرى ضد الإنسانية بحق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وتتمثل بالتمييز الشديد بحقهم. وتستند هذه النتائج إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة، للإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
ويرصد التقرير الصادر في 204 صفحات، بعنوان “تجاوَزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد”، الممارسات الإسرائيلية ضد للفلسطينيين. ويعرض التقرير الواقع الحالي، إذ توجد سلطة واحدة – الحكومة الإسرائيلية – وهي الجهة الرئيسية التي تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريبا. وتمنح هذه السلطة بشكل ممنهج امتيازات لليهود بينما تقمع الفلسطينيين، ويمارَس هذا القمع بشكله الأشدّ في الأراضي المحتلة.
وأشار المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، كينيث روث، إلى أنه “حذّرتْ أصوات بارزة طوال سنوات من أن الفصل العنصري سيكون وشيكا إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين. وتُظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية أحدثت هذا الواقع وترتكب اليوم الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد“.
ولفت التقرير إلى أن النتائج التي تُبيّن الفصل العنصري والاضطهاد لا تُغير الوضع القانوني للأراضي المحتلة، المكونة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة، كما لا تغير واقع الاحتلال.
وأشار التقرير إلى أنه بعد أن كان مصطلح “أبارتهايد”، أو الفصل العنصري، قد صيغ في سياق متصل بجنوب أفريقيا، فإنه أصبح اليوم مصطلحا قانونيا عالميا. ويشكل الحظر على التمييز المؤسسي والقمع الشديدين والفصل العنصري مبدأ أساسيا في القانون الدولي. و”الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها” لسنة 1973 (اتفاقية الفصل العنصري) و”نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية” لسنة 1998 (نظام روما الأساسي،) يُعرِّفان الفصل العنصري باعتباره جريمة ضد الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
–نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى.
–سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة.
–الأفعال اللا إنسانية.
وشدد التقرير على أنه اليوم، تُفهم الإشارة إلى الجماعة العرقية على أنها لا تتناول المعاملة على أساس السمات الوراثية فحسب، بل أيضا على أساس النسب والأصل القومي أو الإثني، على النحو المحدد في اتفاقية التمييز العنصري. وتطبق هيومن رايتس ووتش هذا الفهم الأوسع للعرق.
وقال التقرير إن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد، كما يعرّفها نظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، تتكون من الحرمان الشديد من الحقوق الأساسية لمجموعة عرقية، أو إثنية، أو غيرها بقصد تمييزي.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن عناصر الجريمتين تجتمع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من سياسة حكومية إسرائيلية واحدة. وتتمثل هذه السياسة في الإبقاء على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة. وتقترن في الأراضي المحتلة بقمع ممنهج وأعمال لاإنسانية ضد الفلسطينيين القاطنين هناك.
وبناء على سنوات من التوثيق الحقوقي، ودراسة الحالات، ومراجعة وثائق التخطيط الحكومية، وتصريحات، ومصادر أخرى، قارنت هيومن رايتس ووتش السياسات والممارسات تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإسرائيل بتلك المتعلقة باليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في نفس المناطق. وراسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة الإسرائيلية، في تموز/يوليو العام 2020، طالبة منها عرض وجهة نظرها بشأن هذه القضايا، لكن المنظمة لم تتلق أي رد.
وأوضح التقرير أن السلطات الإسرائيلية سعت في مختلف أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة إلى زيادة الأراضي المتاحة للبلدات اليهودية وتركيز معظم الفلسطينيين في مراكز سكانية مكتظة. وتَبنّت السلطات سياسات للتخفيف مما وصفته علنا بأنه “تهديد” ديموغرافي من الفلسطينيين. وفي القدس، على سبيل المثال، تحدد خطة الحكومة للبلدية، بما يشمل الأجزاء الغربية وتلك المحتلة الشرقية من المدينة، هدف “الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة”، بل وتحدد النسب الديمغرافية التي تأمل في الحفاظ عليها.
ومن أجل الإبقاء على الهيمنة، تميّز السلطات الإسرائيلية منهجيا ضد الفلسطينيين. والتمييز المؤسسي الذي يواجهه الفلسطينيون في إسرائيل يشمل قوانين تسمح لمئات البلدات اليهودية الصغيرة فعليا باستبعاد الفلسطينيين، ووضع ميزانيات تخصص جزءا ضئيلا من الموارد للمدارس الفلسطينية، مقارنة بتلك التي تخدم الأطفال اليهود. وفي الأراضي المحتلة، فإن شدة القمع ترقى إلى القمع الممنهج، وهو شرط ليتحقق الفصل العنصري. ويشمل هذا القمع فرض حكم عسكري شديد القسوة على الفلسطينيين، مع منح اليهود الذين يعيشون بشكل منفصل في نفس المنطقة حقوقهم الكاملة بموجب القانون المدني الإسرائيلي، الذي يحترم الحقوق.
وارتكبت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الانتهاكات ضد الفلسطينيين. والعديد من الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة تشكل خرقا جسيما للحقوق الأساسية وأعمالا لا إنسانية، وهي شرط لتحقُّق الفصل العنصري. وتشمل هذه الانتهاكات: القيود المشددة على التنقل، المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح؛ مصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ الظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أدت إلى الترحيل القسري لآلاف الفلسطينيين عن ديارهم؛ حرمان مئات آلاف الفلسطينيين وأقاربهم من حق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين.
وأكد التقرير على أن العديد من الانتهاكات التي تشكل جوهر ارتكاب هذه الجرائم، مثل الرفض شبه القاطع لمنح الفلسطينيين تصاريح بناء وهدم آلاف المنازل بحجة غياب التصاريح، لا تستند إلى أي مبرر أمني. وبعض الانتهاكات الأخرى، مثل قيام إسرائيل فعليا بتجميد سجل السكان الذي تديره في الأراضي المحتلة، تستخدم الأمن ذريعةً لتحقيق مآرب ديموغرافية أخرى، وتمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي تعيش هناك بشكل شبه تام، وتمنع سكان غزة من العيش في الضفة الغربية. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى عندما يشكل الأمن جزءا من الدافع، فإنه لا يبرر الفصل العنصري والاضطهاد، تماما كما لا يبرر القوة المفرطة أو التعذيب.
وقال روث إن “حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، دون مبرر أمني مشروع وفقط لكونهم فلسطينيين وليسوا يهود، ليس مجرد مسألة احتلال تعسفي. وهذه السياسات التي تمنح اليهود الإسرائيليين نفس الحقوق والامتيازات أينما كانوا يعيشون، وتُميّز ضد الفلسطينيين بدرجات متفاوتة أينما كانوا يعيشون، تعكس سياسة تمنح امتيازا لشعب على حساب الآخر“.