من الصحف الاسرائيلية
قالت الصحف الإسرائيلية الصادرة إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعاني بشدة من الندم، على قرار إجراء الانتخابات ومن المحتمل أن يقدم على إلغائها.
وأشارت إلى أن هذا الفعل قد يحمله عليه اعتبارات لها علاقة بالسلطة وبالأنا، مسنودة بإسرائيل وإدارة جو بايدن، لكن بالنسبة للفلسطينيين يعتبر إنكار حقهم في الانتخابات وإخماد صوتهم لمنعهم من اختيار ممثليهم، قرارا متسلطا وظالما.
قال كاتب إسرائيلي إن “سخرية الأقدار في الساحة السياسية الإسرائيلية أخذت بنيامين نتنياهو كي يصبح مستقبله السياسي بيد خصمه اللدود بيني غانتس، الذي عرض عليه التناوب على مقعد رئاسة الحكومة، لكنه لم يف بوعده، والغريب أن نتنياهو أعاد مجددا طرح الاقتراح ذاته على غانتس، والغريب أنه لا يوجد سبب يجعل الأخير يرفض هذا العرض“.
وأضاف شالوم يروشالمي في مقاله على موقع “زمن إسرائيل”، أن “أحد مساعدي رئيس الوزراء اقترح تجديد التناوب مع وزير الحرب، وفي هذه الحالة فإن تفاصيل الاقتراح المفاجئ مفادها أن نتنياهو سيعرض على غانتس استعادة اتفاق التناوب، منذ أن وقعا على هذه الوثيقة قبل عام، وبعد عامين رئيسا للوزراء، سيسلم غانتس زمام الأمور لنتنياهو، على أن يكون نتنياهو في الفترة الأولى نائبا لرئيس الوزراء“.
وأشار إلى أنه “خلال فترة ولاية غانتس، سيحاول إضافة المزيد من الأحزاب من الوسط إلى الائتلاف الحكومي المشترك، من أجل توسيعه، وقال أحد معارف نتنياهو إنه فهم أنه يجب عليه التناوب على شخص ما، لأنه ليس لديه ائتلاف، ولا يمكنه البقاء في منصبه، رغم أنه يخاف جدا من رجل قوي آخر في الليكود، مثل يسرائيل كاتس، الذي سيكون رئيسا للوزراء بدلا منه، وبعد ذلك لن يعيد الوظيفة إليه“.
وأكد أن “الاقتراح الذي قدمه نتنياهو مجددا إلى غانتس هو الخطوة الأكثر ذكاء وغير المتوقعة، فالأخير شريك مريح وموثوق، ونتنياهو كان مخطئا تجاهه حتى يومنا هذا، فالآن يعرض عليه رئيس الوزراء سنة أو سنتين، فيما نتنياهو سيكون البديل لرئيس الوزراء، أما إذا أراد نفتالي بينيت الموافقة على هذه الصيغة، فسوف يكون وزيرا للحرب في هذه الحكومة، وإذا لم يكن كذلك، فهناك 60 مقعدا بين نتنياهو وغانتس، فقط لا غير“.
وكشف النقاب أن “نتنياهو أبلغ غانتس هذه المرة أن لدي عرضا تاريخيا لك، فيما أنه ليس لدى غانتس سبب لرفض العرض، وبالنسبة لنتنياهو فهذا أفضل بكثير من التناوب مع بينيت، أو مع شخص آخر، وهكذا يمحو غدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان معا، والآن ينتظر نتنياهو إجابة غانتس الإيجابية”.
ذكرت صحيفة هآرتس في تقرير انه بعد خمسة عشر عاماً من التأجيل والتسويف، لم يكن أحد يظن أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيحدد تاريخاً لإجراء الانتخابات العامة.
إلا أن المرسوم الذي أصدره في يناير/ كانون الثاني الماضي فاجأ وحير الفلسطينيين والمراقبين على حد سواء، وذلك على الأقل لأن الأخطار الثلاثة التي كانت تحدق بالوضع القائم – الهجوم الكاسح الذي كان يشنه ترامب على القضية الفلسطينية، وقرار إسرائيل ضم الأراضي، وتجاوز العرب للفلسطينيين – كانت حينها في تراجع.
والآن يبدو أن عباس يعاني بشدة من ظاهرة “ندم البائع” لدرجة أن من المحتمل أن يقدم على إلغاء الانتخابات. تحمله على فعل ذلك اعتبارات لها علاقة بالسلطة وبالأنا، ويحظى في ذلك بمساندة إسرائيل وإدارة بايدن. ولكن بالنسبة للفلسطينيين، يعتبر إنكار حقهم في الانتخابات الديمقراطية، وإخماد أصواتهم حتى لا يتمكنوا من اختيار ممثليهم، قراراً متسلطاً وظالماً وخطيراً.
تضافرت التخمينات والحكايات التي يتبادلها الناس لتقدم تفسيراً للقرار الذي اتخذه الثمانيني عباس – والذي تشبت بمنصبه لاثني عشر عاماً بعد انتهاء فترة رئاسته – لإطلاق العملية الديمقراطية الفلسطينية، إما خضوعاً للضغط الذي مارسه عليه الاتحاد الأوروبي أو سعياً لإرضاء الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة بايدن.
والآن، تشير نفس تلك الإدارة على عباس بإرجاء الانتخابات. وبهذا تكون قد تراكمت الأسباب التي تحفزه على إلغاء هذه المقامرة، وعلى التمسك بالسلطة مع تجنب الانتخابات وما تجلبه من متاعب.
كانت لدى عباس فرصة نادرة لإصلاح فتح وتوسيع إطارها، والتعويض عما ارتكب من أخطاء، وإنعاش العلاقات مع قاعدة فتح. كانت لديه فرصة لتجنب إعادة ما جرى في انتخابات 2006 عندما انقسمت فتح إلى لائحتين وكلفها ذلك الكثير. ولكن في التنافس الحاصل بين تنفيذ استراتيجية الحفاظ على بقاء فتح من جهة والأنا لدى عباس، كانت الغلبة دوماً لمصالح ملك المقاطعة.
ولذلك عمد عباس بدلاً من ذلك إلى تهديد كل من يشذ عن الخط الرسمي لحركة فتح أو يقف في صف أي من اللوائح المنشقة بأنه سيوقف بالقوة، بل وقد يتعرض للقتل. ولكن ما لبث عباس أن أدرك أنه لا يستطيع فرض شرطه بأن يكون صاحب الحق الحصري.
من المفارقة أن عباس نفسه هو الذي أثار شهية البعض نحو الانشقاق، وذلك بسبب الأسلوب الذي تم بموجبه تشكيل لائحة فتح الرسمية، إذ كان ذلك نموذجاً طبق الأصل من المحسوبية وإيثار المعارف والتلاعبات وعدم التسامح مع المخالفين. وبذلك تم إقصاء أو تجاهل العديد من الشخصيات البارزة التي اعتبرت ناقدة لعباس أو غير موالية له كما يريد. ومنح آخرون مواقع لا قيمة لها في ذيل اللائحة.
أثار ذلك تظلمات وأذكى الانقسامات الداخلية ودفع بتسعة من زعماء فتح للتخلي عن اللائحة بعد أن تم الإعلان عنها بشكل رسمي. بادر كل من ناصر القدوة ومروان البرغوثي – وهما اثنان من أكبر منافسي عباس ويتمتعان بدعم عدوه اللدود محمد دحلان – بتوحيد صفوفهما في لائحة واحدة يقودها بالشراكة القدوة وزوجة البرغوثي، فدوى – وذلك احتجاجاً على سلوك عباس واختياراته غير اللائقة.
غدا عباس محقاً في الشعور بالقلق إزاء ذلك إضافة إلى لائحة “تيار الإصلاح” التابعة لدحلان خشية أن يخسر أمامهم كتلة كبيرة من الناخبين، وخاصة في غزة حيث ينظم خصومه حملات كبيرة.
انتشر في غزة مؤخراً المئات من رجال دحلان، الذين لم تطأ أقدامهم قطاع غزة لما يقرب من أربعة عشر عاماً، ومن بينهم قادة قوة الأمن الوقائي وأفراد “فرق الموت” التابعة له. رحبت بهم حماس وفتحت لهم الباب على مصراعيه رغم أنهم نفس الناس الذين حملتهم مسؤولية الأحداث الدموية التي وقعت في عام 2007 في غزة والتي أحدثت تصدعات وانقسامات بين الفلسطينيين بعد انسحاب إسرائيل من القطاع.
كما أن حماس لا تمارس اللعبة بنزاهة، فهي تعرف أن فرصها في إنجاز نصر انتخابي كذلك الذي حققته في عام 2006 ضئيلة للغاية، ولذلك لجأت إلى الإيهام بأنها تحظى بتعاطف شعبي كبير، وراحت تروج لتشكيلة كبيرة من المرشحين، من الموالين لحماس إلى المتعاطفين الذين يقدمون كمستقلين، ومن شخصيات اكتسبت الشرعية من عداوتها لعباس إلى نشطاء على مستوى القاعدة الشعبية، وكل ذلك في سبيل توزيع المخاطرة والاستثمار في التأثير المستقبلي دون وضع جميع مشرحيها في زمرة واحدة تحت رايتها.
في هذه الأثناء، تعتمد لائحة حماس الرسمية على التهيؤ الأخلاقي المجرد والتصوير العاطفي. وتسعى بشكل خاص لإغراء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقاعدتهم من خلال تخصيص المواقع الأمامية لعدد من الأسرى السابقين البارزين مثل جمال أبو الهيجا، قائد معركة جنين في عام 2002 أو ناصر البرغوثي من رام الله، المعتقل السياسي الفلسطيني الذي يقضي أطول حكم داخل السجن الإسرائيلي.
على الرغم من أن حماس التزمت في البداية بتزيين لائحتها بوجوه جديدة، لعلمها بمدى كراهية الجمهور للوجوه القديمة، إلا أن اللائحة في شكلها النهائي تبدو أشبه بتسوية تم التوصل إليها بين الأجنحة المختلفة داخل الحركة. تشتمل اللائحة على بعض كبار القادة والانتهازيين القدماء، ولكن يوجد داخلها أيضاً معتدلون وتكنوقراط وأكاديميون ونساء وشباب وحتى للمرة الأولى مسيحيون فلسطينيون لم يسبق أن ترشح مثلهم ضمن لائحة إسلامية.
كل هذه أسباب من شأنها أن تحفز عباس على التخلي عن الانتخابات، إذ يرى أن الظروف كلها تتجمع ضده. إلا أن العامل الحاسم في ما إذا كانت الانتخابات ستجرى أم لا ليس في يده وإنما في يد إسرائيل، وكل ذلك يتمحور حول القدس.
وكان عباس قد أعلن في وقت مبكر أن فلسطينيي القدس الشرقية ينبغي أن يسمح لهم بالتصويت. وهذا خط معنوي أحمر لا يملك طرف فلسطيني واحد المجادلة فيه، حتى لو علموا أن عباس إنما يستخدم القدس ذريعة من أجل اتخاذ قرار محتمل بإلغاء الانتخابات.
لا يمكن التهوين من مركزية القدس بالنسبة لجميع اللوائح الانتخابية. وما من لائحة انتخابية واحدة إلا وتشتمل على عدد من الفلسطينيين المقدسيين. وتشتمل لائحة فتح بشكل مثير للانتباه على داعية المسجد الأقصى الشيخ يوسف سلامة بينما أطلقت حماس على لائحتها اسماً مثيراً عاطفياً هو “القدس موعدنا“.
فقط على الجانب، لاحظ أحد المراقبين أن شعار حملة حماس، وهو عبارة عن صورة ريفية لقبة الصخرة لا تشاهد فيها أي أسلحة، كان تقليداً مباشراً لصورة ختم يظهر على البضائع الإسرائيلية يشتمل على عبارة “صنع في إسرائيل“.
فعندما اندفع المقدسيون الفلسطينيون إلى الشوارع في الأسبوع الماضي للاحتجاج على القيود الإسرائيلية، ونظم شركاء نتنياهو الجدد من الكهانيين المعادين للعرب مسيرة في المدينة القديمة، مع انحياز الشرطة وممارساتهم الوحشية التي نجم عنها جرح ما يقرب من مائة من الفلسطينيين، أصدر كل حزب من الأحزاب الفلسطينية بيانات إدانة وتنديد، ثم جمعوا أمرهم على إصدار بيانات أشد من الأولى دعماً للمظاهرات أو حتى نسبة الفضل في تنظيمها إلى أنفسهم، بينما خففت حماس من قبضتها على الجماعات المسلحة الأخرى في غزة، ما نجم عنه إطلاق صواريخ عبر الحدود وتصعيد للعنف مع إسرائيل.
لم ترد إسرائيل بعد على طلب السلطة الفلسطينية إجراء الانتخابات في القدس، ولكنها في نفس الوقت منعت المرشحين الفلسطينيين من تنظيم مهرجانات أو مؤتمرات صحفية داخل المدينة، بل واعتقلت عدداً من المرشحين. وهددت إسرائيل، بل واعتقلت، مرشحي حماس في أرجاء الضفة الغربية، رغم تعهدها بألا تخرب الانتخابات.
بالنسبة لعباس ليس هناك أفضل ولا أريح من تحميل إسرائيل اللوم على تعطيل مشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات، واعتبار ذلك سبباً وجيهاً لتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى. ويبدو أن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
في كل صباح، تهيمن على الدورة الإخبارية الفلسطينية تصريحات صادرة عن فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وحلفائها المقربين يتعهدون فيها بأنه لن تجرى الانتخابات بدون القدس.
وكررت حماس، وكذلك دحلان، مثل هذا الخطاب، مع التأكيد على أنه يتوجب إجراء الانتخابات في الموعد المقرر لها، بينما قال كبير مستشاري عباس، الدكتور نبيل شعث، صراحة إن مسألة القدس من المحتمل أن تؤدي إلى تأجيل الانتخابات. ولسوف يعقد عباس هذا الأسبوع سلسلة من اللقاءات لاتخاذ قرار بشأن مصير الانتخابات.
في هذه الأثناء لا تبدو إدارة بايدن معنية بخوض أي معركة في سبيل تجديد الديمقراطية الفلسطينية، بل لقد أخبرت عباس فعلياً بأنها ستغض الطرف فيما لو تأجلت الانتخابات.
وتصعد إسرائيل من معارضتها، وأخبر رئيس جهاز الشين بيت الإسرائيلي عباس بشكل مباشر بأن عليه أن يلغي الانتخابات لأن حماس ستشارك فيها، وحدد له خطاً أحمر يحول دون تشكيل حكومة مشتركة بين حماس وفتح (وهو الأمر الذي سيحدث لا محالة بعد الانتخابات).
رفع الجيش الإسرائيلي مؤخراً مستوى الاستعداد لإخماد أي احتجاجات قد تندلع مباشرة بعد الإعلان عن إلغاء الانتخابات. في هذه الأثناء بدأ رجال دحلان، الذين نزلوا على القطاع بشكل انتهازي خالص، بمغادرة غزة الواحد تلو الآخر بعد أن اشتموا رائحة التبدل في الأجواء.
ولكن أولئك الذين يؤيدون إلغاء الانتخابات، سواء كانوا في الولايات المتحدة أم في إسرائيل، يرتكبون خطأ كارثياً يتجاوز مجرد اتخاذ قرار جسيم بحرمان الفلسطينيين من حقهم الأساسي في الاقتراع.
فيما لو ألغيت أو أجلت تلك الانتخابات، فلن تكون هناك أي محاولة أخرى لإجرائها في المستقبل القريب (على الأقل طالما ظل عباس على قيد الحياة). لن تكون هناك فرصة لإجراء جولة أخرى من الانتخابات من الوارد أن تتعرض هي الأخرى إلى الإلغاء لوجود احتمال ولو بعيد بأن تكسبها حماس بشكل حاسم.
كما أن إلغاء الانتخابات سيقوض مزيداً من شرعية السلطة الفلسطينية “المعادية للديمقراطية” ويعزز أكثر فأكثر من وضع حماس، ويحصن حكمها في غزة، ويرفع من مستوى سرديتها باعتبارها صاحبة التفوق الأخلاقي مقارنة بفتح لأن حماس أقرت الإجراءات الديمقراطية بينما تهرب عباس من استحقاقاتها.
سوف ينجم عن إلغاء الانتخابات مفاقمة حالة اليأس وفقدان الأمل الخطيرة في أوساط الفلسطينيين، الذين سيجدون أنفسهم في مواجهة حقيقية لا مهرب منها مفادها أن آخر فرصة لهم للوحدة أو العمل معاً قد ثبت عدم جدواها.
تفوق المخاطر الكارثية لإلغاء الانتخابات بمراحل المخاطر التي قد تنجم عن إجرائها. وبغض النظر عن مدى شؤم الصورة كما يراها البعض الآن، إلا أن ثمة فرص جيدة لا تزال متاحة.
تدرك حماس جيداً، بل وتقر، على الأقل فيما وراء الكواليس، بأن أي حكومة مستقبلية لا بد في حدها الأدنى من أن توافق على حل الدولتين والنأي عن العنف، والالتزام بالقانون الدولي، وبتعهد الحركة بألا تسعى لشغل منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية تجنباً للفيتو الدولي.
والأهم من ذلك، يسيء عباس عن عمد قراءة الخارطة السياسية كما يسيء قراءة الأطراف المهتمة في ما يتعلق بفرص فتح الانتخابية باعتبارها حرة وطنية علمانية عريضة. فعبر نظام الانتخابات القائم على التمثيل النسبي، لن يكون هناك صوت ضائع، ومن الوارد جداً أن تتمكن لوائح فتح الثلاث من النجاح. وفي الحقيقة، قد تكون لائحة البرغوثي والقدوة هي أفضل فرصة لتجنيب فتح الهزيمة، إذا ما أخذنا بالاعتبار شعبية البرغوثي الكاسحة والمهنية والنزاهة التي يتصف بها القدوة.