المرأة وصمود الشرق العربي
غالب قنديل
تمثّل النساء في مجتمعات الشرق العربي عنصر قوة حاسم في ملاحم الصمود والمقاومة، التي تخوضها بلداننا ضد حروب العدوان والاحتلال والكوارث المتعددة، الاقتصادية والمالية والإنسانية التي تعيشها منطقتنا، وحيث تمثّل المرأة العربية في هذا الشرق عنصر القوة الخفي وغير المعترف به، الذي يعزّز صلابة المقاومة والقدرة على الصمود في وجه غزوة بربرية غير مسبوقة.
أولا: إن الاعتراف بدور النساء في بلداننا، على صعيد المشرق العربي، وفي جميع المعارك الوطنية والقومية المفتوحة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن، يمثّل اليوم أضعف الإيمان في الاعتراف بعنصر قوة حاسم، يعزّز قدرات الصمود والمقاومة، وهو عنصر غير مصرّح به أو معترف بدوره إلا في ما ندر، وغالبا ما يحاصره الكتمان والجحود واعتبار مساهمة النساء في ملاحم بلداننا التحرّرية، وتعزير صلابة مجتمعاتنا نوعا من تحصيل الحاصل، وواجبا لا يستحق التنويه ولا الامتنان ولا تكريس مكانة خاصة لتكريم المرأة في مجتمعاتنا المحاصرة والمستهدفة، والتي تضطلع بدور عظيم في مختلف ساحات الصمود الاقتصادي والعسكري وفي معارك التحرّر الوطني.
إن التجربة التي نخوضها في المشرق على صعيد الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، والتصدّي لعمليات الحصار والخنق الاقتصادي، التي تتعرّض لها بلادنا، تستدعي وقفة خاصة مستمرة أمام مساهمات النساء في ملاحم المقاومة والتحرّر.
ثانيا: ليست وقفتنا أمام دور المرأة في معارك الشرق من قبيل المجاملة أو تأكيد المؤكد، ولكنها محاولة لإنصاف قوة عظيمة مسكوتٍ عنها، تُعامل على أنها تحصيل الحاصل، وهي ذات قيمة تاريخية في ملاحم الصمود والمقاومة، وفي معادلات القوة الفعلية لمجتعاتنا وبلداننا وللتوازنات القاهرة، التي تقيمها قوى المقاومة والتحرّر في وجه حلف العدوان الاستعماري الرجعي.
إن النساء في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين هنّ عامل قوة غير معترف به واقعيا. وثمة تغيير يجب أن يحصل في تعامل الذهنية العربية السياسية والمجتمعية، ولا سيما في الشرق المقاوم لصالح تعزيز دور المرأة وشراكتها في الحياة العامة، بما يوازي مساهماتها العظيمة في معارك المقاومة والتحرّر الوطني، التي نشهدها في اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين. وليس هذا الكلام من قبيل الاحتفال الموسمي بيوم المرأة أو بعيد الأم، وهما مستحقان في هذا الشهر، لكنها مناسبة لإثبات حقيقة مجتمعية وتاريخية لا بدّ من تأكيدها والبناء عليها.
ثالثا: لقد آن الأوان لجميع بلدان الشرق العربي أن تكرّس اعترافها بالشراكة الكاملة، وبالتكافؤ التامّ بين الرجال والنساء، في ظل البطولات المشهودة، التي تبديها المرأة في جميع مواقع الكفاح، والبطولة التي تظهرها في معارك الصمود والتحرّر الوطني، وفي مجابهة الأزمات والكوارث، وهذه حال جميع بلداننا في المشرق، التي هي اليوم أحوج ما تكون الى وعي جديد وحركة شاملة وجذرية، تطلق قوة عملاقة كامنة وغير معترف بها، ويمكن أن تضيف أكثر الى مناعة الوطن وقدرته الرادعة في وجه الغطرسة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.
لسنا في وارد تسجيل كلمة ضمن أدبيات المناسبات، والمناسبة تستحق أصلا، لكنّنا نسجّل عبرة ودرسا من التجربة الحية لبلداننا في الشرق العربي، حيث تُثبت المرأة كل يوم وعلى مدار الأنفاس، أنها قوة وعي ومقاومة صلبة وعظيمة أمّاً وأختاً ورفيقة كفاح. وينبغي أن نفكّر باستمرار كيف نُخرج التعامل مع هذه القوة الهادرة والهائلة من غياهب النكران والجحود الى عهد شراكة وتكافؤ، يعزّز فرص التطّور والتقدّم والتحرّر.