الأزمة غير عادية ولا تحتمل المماطلة والانتظار
غالب قنديل
يتواصل تمادي الكارثة الاقتصادية والمعيشية والمالية الى جانب التحدّي الخطير الناجم عن الجائحة الوبائية، التي تقتضي بالذات توافر الموارد للدولة، وللمؤسسات والبلاد في حالة نضوب وانكماش.
أولا: إن الظرف غير العادي، الذي يعيشه لبنان، يرفع من كلفة تأخّر الحلول والمخارج، والنفس الانتظاري الذي يسود الواقع السياسي وأداءه في التعامل مع مجريات الأزمة عموما ليس مفهوما أو مشروعا في نظر الناس. هذا مع العلم أن الظرف غير العادي في أي بلد، كالحروب والكوارث والأزمات الكبرى، يفرض أداءً غير عادي على جميع المؤسسات العامة وقطاعات الرأي العام، بما في ذلك الإعلام وغيره من مرافق الحياة الوطنية.
في بلدنا، ورغم المخاطر الماثلة أمام الجميع، ورغم الإدراك أن لا معجزة بيد ايٍّ كان، وأن طرق الاحتواء والمعالجة ولجم التدهور تحظى بشبه إجماع، هناك قوة وطنية تتفرّغ بكل إمكاناتها وبأوقات شبابها وكهولها لمجابهة التحدي الصهيوني، الذي لا يصرف أحدا غير حزب الله وجمهوره عن التفكير في المخارج الممكنة من المأزق الاقتصادي والمالي. ورغم ذلك تنعدم المبادرات، ويتواصل الاجترار، وتتحول مناشدات الرئيس نبيه بري ومساعيه الى صرخة تلاقيها الآذان الصمّاء، في حين يصحّ وصفه الشائع والمعروف عن “تقريص العجين” على كلّ ما يتداوله الوسط السياسي في التعامل مع الكارثة الاقتصادية والمالية، رغم جهود رئيس المجلس، ومن خلال ما هو متاح دستوريا للبرلمان، لتقديم مساهمات مهمة في التعامل مع الكارثة من خلال ما تقوم به المؤسسة البرلمانية من جهود ومساهمات، تتعلّق بملاحقة وجوه المعاناة ومحاولة الحدّ منها.
ثانيا: من المسلّم به ألا أحد يملك معجزة حلٍّ سحري للكارثة الحاصلة اقتصاديا وماليا، والتي يفاقمها حصار أميركي معلن. بينما يبدو بكل وضوح، أن إيجاد الحلول والمخارج وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يستدعي مبادرات استثنائي وقرارات غير عادية وخطة وطنية شاملة، يأمل اللبنانيون أن تعلنها الحكومة الجديدة الموضوعة قيد ولادة متعسّرة، لا نعرف سببا وجيها أو معلنا لتأخّرها. فأدبيات القوى السياسية وسائر الأطراف الرئيسية المعنية تراوح في حلقة احتواء الأزمة بالقروض والهبات، ومن خلال إدارة مستمرة لمنطق التعامل مع الكارثة ونتائجها. وليس في أدبيات الأطراف السياسية وخطبها ما ينطوي على توجّهات أخرى، أو يقّدم خيارا مبتكرا من خارج المألوف المتداول. ولذلك لا يرى الناس مبرّرا لحالة الانسداد السياسي والمراوحة في المكان، خصوصا وأن الجميع يتحدث عن التسهيل والتسريع وتجاوز الشروط والشروط المضادة أمام حراجة الظرف والاستحقاقات الداهمة.
ثالثا: الناس يواصلون لحس المبرد وانتظار لعبة سياسية، يشكون في عقمها، وقد خبروا مأزقها المتناسل طوال عقود، لكن الظرف غير العادي، لا يبرّر في نظر الناس تمديد الانتظار في الحلقة المفرغة، ولا سيما أن الزمن يرفع الكلفة على المواطن العادي، ويحصر ربح الاستثمار بمدّ أمد الكارثة في جيوب المضاربين والمرابين وأرباب الاحتكار والسمسرة في نظامنا الاقتصادي الفوضوي والفالت، الذي يزداد ضراوة وتوحّشا.
إن بديهيات الاقتصاد السياسي تقوم على احترام بُعد الزمن في دراسة الأحوال الاقتصادية والمالية. فلهذا البُعد كلفة مضاعفة في زمن الكوارث. وهذا ما يختبره اللبنانيون في يومياتهم المرّة مع سعر صرف الدولار وأسعار السلع وكلفة الحياة، التي تصبح أشدّ صعوبة في كلّ يوم أكثر من سابقه، ولا سيما بعد انسحاق الشرائح الوسطى والتدهور الرهيب في القدرة الشرائية، التي بالكاد ترمّمها، بالنسبة لبعض اللبنانيين، تحويلات الأبناء والأقارب العاملين في الخارج بالعملات الصعبة. ولعلّ هذا هو أحد عوامل إسناد الشرائح الوسطى والفقيرة وصونها من خطر جوع محقّق. وكان لتحويلات الأهل المغتربين أن تحقّق أثرا أهمّ وأجدى لو كنّا في ظرف غير كارثي، فتلك الذخيرة سبق لها أن ساهمت في إنعاش الاقتصاد وتطويره، وفي إعمار البلد خلال العقود الماضية. ما يجب أن نقوله ونعيده اليوم على مسامع القادة والمسؤولين أن الأزمات غير العادية، لا تُقابَل بأسلوب عادي في إدارة الشأن العام، والظروف الاستثنائية تستدعي سلوكا استثنائيا لا نلمسه حتى اليوم في سلوكيات وأداء العديد من المسؤولين، لكن المشكلة هي أن خيارنا الوحيد هو انتظار صحوة ضمير تأتي بالفرج القريب. علّها تأتي.