من الصحف البريطانية
نشرت صحيفة الفايننشال تايمز تقريرا أشارت فيه إلى أن لبنان رهينة في وقت يتجه فيه نحو الانهيار، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اندلعت انتفاضة مدنية ضد الطبقة السياسية الحاكمة كلها، وأسقطت الحكومة. وفي آب/ أغسطس، دمر انفجار كيماوي كارثي مرفأ بيروت وأحياء كاملة، وأطاح بالحكومة التي خلفت الحكومة السابقة.
وأضافت الصحيفة أنه وبعد سبعة أشهر من المماحكات، لم تعين حكومة لتقود البلد المفلس والذي ينزلق نحو أزمات. وبدلا من رجال دولة يقومون بتحمل المسؤولية عن الوضع الوطن الطارئ، ابتلي لبنان بالجوارح السياسية الجائعة التي تتغذى بجشع على جيفته.
وأشارت إلى أنه من الصعب المبالغة في محنة لبنان الذي يسير نحو الانهيار، فهو يواجه أزمة مالية ودين وأزمة مصرفية وفيروس كورونا، وانفجار للمرفأ أنهى كل ما تبقى من حياة اقتصادية.
قال الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست إن تحالف حكام المنطقة الذين استثمروا الكثير من الجهد في إخماد الديمقراطية بدأ يضعف، بعد أن بدت البغضاء بين المساهمين فيه، وإن هناك إمكانية لتحالفات جديدة مثيرة في المنطقة، لكنها لم تتأكد حتى الآن.
وأضاف هيرست في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” أن تحالفا من حكام عرب ظل يعمل طوال العقد الماضي على مواجهة نضال شعبي لا رجعة فيه، انطلق من أجل حقوق الإنسان في العالم العربي، مشيرا إلى أن هؤلاء الحكام التقوا في أواخر عام 2015 سرا على يخت لتحقيق أهدافهم بوقف مسيرة الثورات العربية، وتعاونوا لأجل هذه الأهداف مع فرنسا وبريطانيا وقوى عالمية أخرى بحجة محاربة “الإسلاموية”، أما “اليوم، أي بعد ستة أعوام على ذلك الاجتماع، فلن يكون من السهولة بمكان جمع نفس الشخصيات على متن قارب واحد يطفو على مياه البحر الأحمر“.
وأضاف هيرست أن مصر بدأت تدرك أن مصالحها لا تنسجم مع حلفائها الخليجيين دائما، وذلك لعاملين رئيسيين: أولهما يتعلق بوصول بايدن للسلطة في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي دفع السيسي للتفكير بتموضع جديد بعيدا عن مواجهة بايدن. أما العامل الثاني، فهو الهزيمة العسكرية التي تكبدها الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، عندما اندحرت قواته من طرابلس، وانسحبت إلى سرت بسبب تدخل تركيا وفعالية طائراتها المسيرة، ما أدى إلى حصول صدمة لمصر، التي كانت الإمارات هي من يدير لها أجندتها في ليبيا. وكانت مصر قد استثمرت الكثير في تدريب وتسليح وتموين قوات حفتر.
وأشار هيرست إلى أن الإمارات ومصر أدركتا أنهما تقفان في جانب المهزوم في ليبيا، ولأن الأخيرة مهمة لمصر، واستقرارها وازدهارها يصب في مصلحة ازدهار مصر، فقد فتحت هزيمة حفتر الطريق أمام إجراء محادثات مباشرة مع الحكومة في طرابلس ومحادثات سرية مع كبار المسؤولين في المخابرات التركية. ونتيجة لذلك، تمت الموافقة من قبل تركيا ومصر معاً على مرشحي القائمة التي خسرت الانتخابات في التنافس على منصب رئيس الوزراء. وعندما رفض الليبيون هؤلاء المرشحين لم يعكر ذلك صفو التفاهم الضمني بين أنقرة والقاهرة.
وعلى الرغم من تقليل القاهرة من أهمية التصريحات التركية الداعية للتقارب مع مصر، وإعلان بعض الإعلاميين القريبين من النظام عن شروط للمصالحة بين البلدين، إلا أن هيرست يرى أن مصير هذه الشروط سيكون مثل مصير الشروط الثلاثة عشر التي وضعتها دول الخليج الثلاثة ومصر لإنهاء الحصار على قطر، قبل أن تتخلى عنها وتبدأ مصالحة مع الدوحة.
وأضاف هيرست أن أحد الأسباب التي قد تدفع للتقارب بين أنقرة والقاهرة هو العرض الذي تقدمت به تركيا للتوسط بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة، في الوقت الذي تقوم به الإمارات العربية المتحدة بالعكس تماما، إذ تعرض المساعدة على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
وأشار هيرست في هذا الصدد إلى أن محمد دحلان، المسؤول الكبير السابق في حركة فتح والمقيم في أبوظبي، قد وصل إلى أديس أبابا في زيارة معلنة. أما ما لم يتم الإعلان عنه فهو أن ولي العهد محمد بن زايد كان برفقته، وذلك بحسب ما صرح به مصدر مطلع لميدل إيست آي.
وأضاف هيرست أن مصر لا تزال مترددة في التجاوب مع مبادرة التقارب التركية، ونقل عن مسؤول مصري صرح لموقع ميدل إيست آي قوله إن مصر “تريد من أنقرة أن تتخذ على الأقل خطوة رمزية فيما يتعلق بتواجد جماعة الإخوان المسلمين داخل تركيا“.
ويعتقد هيرست أن هذا الشرط قد يمثل عقبة في التقارب بين البلدين، لأن “جماعة الإخوان المسلمين ليس لها وجود فعلي على شكل مكتب إقليمي في تركيا، ولذلك لا يوجد ما يمكن إغلاقه. أما تعقب أعضاء الجالية المصرية الكبيرة في إسطنبول بشكل فردي، فسوف يعني تسليم المطلوبين، وهذا أمر لن تقدم عليه تركيا. كما لا وجود حتى الآن لضغوط تركية ملموسة على وسائل إعلام المعارضة المصرية في إسطنبول”. وأضاف هيرست أن تركيا لا يمكن أن تقدم على تسليم مطلوبين لمصر، لأسباب تتعلق بسياستها الخارجية، وأخرى داخلية تتعلق بالصورة التي يريد الرئيس أردوغان رسمها لنفسه في بلاده أمام ناخبيه، كزعيم ذي “توجهات إسلامية“.
وحول العلاقة بين أبو ظبي والقاهرة، قال هيرست إن الأمور لا تبدو أفضل حالا بينهما، أولا بسبب نقص الدعم المالي الإماراتي لمصر منذ سنوات، وثانيا بسبب الموجة الثانية من التطبيع مع إسرائيل، والتي تقودها الإمارات، حيث إن اعتراف أبو ظبي بإسرائيل سيقلل من أهمية مصر الاستراتيجية، لأنها والأردن كانتا تمثلان البوابة العربية للتعامل مع تل أبيب.
ويرى ديفيد هيرست أن هناك إمكانية لتحسين العلاقات بين تركيا والسعودية، مشيرا إلى أن طائرات مسيرة تم بيعها من شركة تركية خاصة للسعودية بدأت بالخدمة، كما أن الرياض قد تكون معنية بتحسين العلاقة لمواجهة سياسات بايدن الذي يقود سياسة تختلف عن سياسات ترامب تجاه البلدين.
وقال هيرست إن قطر عرضت وساطة بين تركيا والسعودية، وإن هناك عوامل قد تدفع لحصول تقارب بين البلدين، منها استمرار العلاقة بين الرئيس أردوغان والملك سلمان، واستدرك بالقول إنه لم يحصل تقدم في هذا المجال حتى الآن، فيما لا تزال المقاطعة السعودية للبضائع التركية قائمة.
وأكد هيرست أن هناك إمكانية لإصلاح العلاقات بين تركيا وكل من السعودية ومصر، إذا تصرفت الدول وفق مصالحها، خصوصا أن المحور الذي كان قائما لمحاربة الديمقراطية والثورات بدأ ينهار، مضيفا أن العلاقات القائمة على مصالح الشعوب هي علاقات تقف على أرض صلبة، فيما العلاقات السرية والقائمة على مصالح الحكام تقف على رمال وسرعان ما تنهار.
واختتم مقاله بالقول: “حتى الآن، كل ما نشهده هو احتضان دافئ في يوم وطعن في الظهر في اليوم التالي“.