السوريّون متمسّكون بأسدهم: د. وفيق إبراهيم
محاولات الأميركيين والبريطانيين بدفع خليجي تركي لإنهاء الحرب على سورية بأساليب لا تنطلي على اللبيب، لأنها تحاول اختصار هزائمهم بفبركات، لجذب الروس وبعض قوى الداخل، في إطار تسويات كبيرة قد تنهي أزمة سورية.
إنها لعبة تحمل في متنها مشروعاً أميركياً، لتسويات سورية، يمنية، بين الأميركيين والروس، تعطل الدور الإيراني والصيني، لمصلحة تسويات أميركية، روسية.
أهكذا يبدأ عصر بايدن؟ إن عليه أن ينطلق في مكان ما، يحدّد فيه الخطر الأساسي على أميركا ويبدو أنه وجدها من زاوية خطرين اثنين إيراني وصيني، الإيراني تجعله ينتهي من المخاطر السورية وحزب الله، واليمن، فيما تسمح له مجابهة الصين التمسك بالأحادية القطبية في العالم.
فهل هذا ممكن؟ هذه حرب ضروس قد تحتاج الى عقود للانتصار فيها، لأنها تفترض موافقة روسيّة كاملة، على مضامينها، وهي بالحقيقة ليست موجودة حتى الآن إلا نسبياً، وفي بعض الأطر الضعيفة فقط، لأنّ روسيا متمسكة بالحلف السوري ـ الايراني ولا تقبل بالتخلي عن الصين الى الدرجة العميقة التي يريدها الأميركيون.
فسورية عنصر أساسي في السياسة الروسية الشرق أوسطية، ومن دونها لا يمكن للروس أداء الأدوار العميقة التي يريدونها.
هذا بالإضافة الى عامل لا يغيب عن بال أهل الكرملين وهي أنّ السوريين متمسكون برئيسهم الأسد، لما يجسّده من توازن وطني داخلي، يكفي أن إلقاء مقارنة بين شرق سورية الذي تحتله قوى تركية وإرهاب داعشي وأكراد وجيش أميركي، ليس فيه قوى سورية فعلية باستثناء وحدات من الجيش السوري موالية للرئيس الأسد.
ويكفي أن آبار الغاز والنفط السوريين الموجودة في هذا الشرق يسرقها الأميركيون والأتراك وداعش والنصرة والأكراد ويبيعونها لأكراد كردستان في العراق الذين يعاودون تصديرها الى الخارج عبر تركيا لبيعها في الأسواق العالمية.
ماذا عن الرئيس بشار؟ تسيطر قواته على ثلاثة أرباع الأراضي السورية، حيث يمارس فيها أدواراً لمصلحة إنقاذ السوريين وتموينهم وتأمين الممكن لهم من الأعمال والأشغال والتموين والدفاع العسكري المتمكن الذي يحميهم من شرور الإرهاب والأتراك والنزف التركي والألاعيب الأميركية والخليجية، والاطماع الاوروبية المتجسّدة في قوات عسكرية تمارس دور المحتل المباشر.
الرئيس الأسد اذاً يتعرّض لمشاريع أميركيّة تعرض على الروس حلولاً بمنحهم مميزات سياسية في سورية مقابل إبعاد الرئيس الأسد عن السلطة. ويكاد الصمت الروسي يجعل الأميركيين يجنحون للاعتقاد بإمكانية الموافقة الروسية.
لكن وجود سببين يجعل هذه الموافقة مستحيلة، الأولى أنّ الأسد قائد إقليمي له أدوار واسعة في سورية ولبنان عبر حلف عميق مع إيران، والى جانب علاقة بقسم أساسي من العراقيين.
أما الثانية، فهي إصرار السوريين أنفسهم على إبقاء بشار الأسد رئيساً لبلادهم يحمل ثقتهم العميقة فيها، الى جانب دوره اللبناني في تحالفات عميقة مع حزب الله والكثير من الأحزاب الوطنية والقومية، فكيف يمكن تجاوز هذه الوقائع، هذا الى جانب أنّ الروس أنفسهم متعمّقون في مدى قوة الأسد ومصلحتهم في الوقوف الى جانبه في المراحل كافة، متيقنين أنه حليفهم الأصلي القادر على أداء أدوار إقليمية لا يجيد تنفيذها سواه.
يتبيّن بالاستنتاج أنّ الأسد علاقته عميقة غير قابلة للاهتزاز مع الروس، والى جانبه زوجة سيّدة ذات مراس وطنيّ عميق يتهمها البريطانيون بالإرهاب ويريدون محاكمتها في محاولة أوروبية مكشوفة للقضاء على آل الأسد في تسوية دوليّة عبر الأميركيين مع الروس.
هنا تقول الدوائر الغربية المتمكنة إنّ الرئيس بشار قويّ داخلياً وتجابهه معارضة ضعيفة منتشرة في تركيا والخليج وأوروبا، لكنها منقسمة في ما بينها، ولا قوة أساسية لها في داخل سورية. وهذا يعني أنها غير قابلة للاستخدام في مؤتمرات الصلح الدولية، لهذا الواقع المتشتت المستقرة فيه بذلك يتضح أنّ الرئيس بشار هو صاحب القوة الداخلية القصوى ورجل التحالفات الإقليمية والدولية الأساسية، ما يبرّر لهذا الغرب حصاره بحرياً مع محاولات العثور على تسويات مع الروس لإنهاكه اقتصادياً وعسكرياً.
فهل هذا ممكن؟ هذه أصبحت من ثرثرات العجائز، لأنّ الوضع الميدانيّ هو لصالح الجيش السوري عسكرياً والوضع الاقتصادي في الداخل صعب، لكنه لم يدرك حدود التدهور على الرغم من الحصارات البحرية والبرية والجوية، ولن تتخلى لا إيران ولا روسيا عنه، على الرغم من ارتفاع مستوى الحاجات الاقتصادية السورية نتيجة لارتفاع مستويات الحصارات الغربية والخليجية.
سورية الى إين؟
تبقى بقيادة أسدها من أركان المنطقة الشرق أوسطية، ضمن حلف مع إيران وحزب الله وبرعاية روسية كاملة، تمنع الاتجاهات الأميركية، والخليجية لإسقاط نظام الأسد بالتحايل كبديل عن فشل التدخلات العسكرية.
ويحافظ بشار الأسد عبر قيادة سورية على أدوار بلاده اللبنانية والعراقية والإيرانية واليمنية، كرئيس إقليمي، يعمل على تمدّد السياسة السورية ضمن رؤية عربية، إقليمية معادية للأميركيين وتحالفاتهم الخليجية و»الإسرائيلية».
بذلك يواصل حزب الله دوره الإقليمي القويّ الى جانب سورية وفي وجه «إسرائيل» والمحاولات الأميركية لضرب الدور الإيراني، وهذا يعني الاستمرار في الصراعات الشرق أوسطية بين المحورين الإيراني ـ الأميركي وسط انحياز روسي الى جانب إيران، مع تأييد صيني لطهران اقتصادياً الى جانب دعم عسكري مفتوح، أليست هذه الطريق هي التي تقفل الطريق على مشاريع بايدن و»إسرائيل» والخليج؟
(البناء)