خواطر عربيّة من وحي الحرب على سورية: معن بشور
عشر سنوات “بركات”
حين اندلعت الحرب على سورية وفيها، قلنا إنّ الشعب السوري يريد حرية لا فوضى، يريد إصلاحاً لا حروباً، يريد تحديثاً لا تخلفاً، وكتبنا أكثر من مقال وبيان «أنّ في سورية مطالب مشروعة وأجندات مشبوهة».. واختلفنا مع البعض، ولنا بينهم أصدقاء، في تقدير قدرة سورية، شعباً وجيشاً وقيادة ورئيساً على الصمود، إذ قدر البعض أنّ الأمر لن يطول، وأنّ النظام سيسقط خلال أسابيع، وسعينا إلى إطلاق مبادرات للحوار والإصلاح ولرفض التدخل الخارجي وعقدنا منتديين عربيين ودوليين (2011 و2012) في بيروت لهذا الغرض، لا سيّما بعد قرارات الجامعة العربية ومحاولات تدويل الأزمة على غرار ما حصل في ليبيا، لكن مبادرتنا تعطلت لأن البعض اعتقد أنه سيطيح بالنظام خلال أسابيع او أشهر على الأكثر.
وأذكر أنني في ندوة تلفزيونية على قناة «إقرأ»، مع أحد المعارضين السوريين دعوته للحوار وقلت له: لا طريق لكم إلى إخراج بلادكم من المأزق إلاّ بالحوار. فأجاب: (وكانت الحرب في أيامها الأولى) لقد سقط لنا أكثر من خمسين شهيداً.. فكيف تريد أن نتحاور مع النظام؟ وقلت له: سيصبح العدد غداً خمسماية، وخمسة آلاف، وخمسين ألفاً، وخمسماية ألف… وستعودون إلى الحوار، لماذا لا تبدأون الحوار من اليوم وتوفرون على سورية العزيزة كلّ هذه الدماء والدمار.
واليوم بعد عشر سنوات من الحرب، تراجع الحديث عن المطالب المشروعة، ودبّ الصراع، بما فيه المسلح، بين معارضي النظام، ولم تبق في سورية إلاّ «الأجندات المشبوهة» التي تسعى إلى تقسيم سورية وتدميرها، وبات لكل دول العالم «الحق» في التحدّث في الشأن السوري من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي السوريين أنفسهم..
اليوم وبعد عشر سنوات من تلك الحرب المدمرة والمريعة التي لم تستهدف سورية الدولة والمجتمع والجيش والبنى التحتية فحسب، بل استهدفت الدور القومي والموقع التاريخي المشرق لسورية العربية.
وهنا، فليسمح لنا الأخوة الجزائريون أن نستعمل كلمة يردّدونها في كل صراعات الداخل بينهم، كلمة «بركات» أيّ كفى.. لنقول مع الشعب السوري للعالم كله عشر سنوات «بركات».. بل لنقول للمصرّين على استمرار الحرب في سورية وعليها: مهما طال الزمن لن تنجح مخططاتكم.. ستنجحون فقط في إطالة أمد الوضع الراهن وزيادة آلام الشعب السوري العظيم ومعاناته، وما يواجهه من موت وجوع ودمار وخراب، في بلد كان وسيبقى قلب العروبة النابض والجامع، وحصن قضايا الأمة، وصرحاً شامخاً من صروح الحضارة الإنسانية…
2 – جامعة من دون «أنياب»
قال وزير الدولة السعودي لشؤون الخارجية الأفريقية أحمد عبد العزيز القطان، إنّ مشكلة الجامعة العربية «أنها من دون أنياب»، ولقد اثار هذا الكلام تساؤلات عدة خصوصاً مع مرور عشر سنوات على الدور المعيب الذي لعبته الجامعة في تأجيج الحرب على عضو مؤسس لها هو سورية وعلى استدعاء قوات الناتو لتدمير ليبيا.
أبرز التساؤلات هي:
هل كانت جامعة الدول العربية من دون أنياب حين قررت الاستعانة بـ (الناتو) لغزو ليبيا في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات؟
هل كانت جامعة الدول العربية من دون أنياب حين انخرطت منذ اللحظة الأولى في الحرب على سورية، وأصدرت قرارات لمحاصرتها وتعليق عضويتها في الجامعة في انتهاك صريح لميثاق الجامعة العربية وكانت الجمهورية العربية السورية في طليعة المشاركين في إعلان تأسيس الجامعة؟
بل هل كانت جامعة الدول العربية من دون أنياب وهي تبارك الحرب على اليمن والعدوان على شعبه على مدى ست سنوات من دون توقف؟
هل كانت جامعة الدول العربية من دون أنياب حين حرّض بعض أركانها الفاعلين على الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثم إضفاء الشرعية على كلّ الإجراءات والقرارات التي اتخذها هذا الاحتلال بحق بلد مؤسس في الجامعة، وأحد المشاركين في وضع معاهدة «الوحدة الاقتصادية العربية» ومعاهدة «الدفاع العربي المشترك» التي تنص في البند رقم 8 على أن أي عدوان على بلد عربي هو عدوان على الأمة العربية كلها، فكيف إذا كان العدوان هو احتلال بلد بوزن العراق، كما أنه كان مشروعاً لتغيير وجه العراق؟
نوافق معالي الوزير على أنّ الجامعة العربية لم يكن لها أنياب بالفعل، ولكن متى؟
لم يكن لجامعة الدول العربية أنياب في كل مرة كان يشنّ فيها العدو الصهيوني عدواناً ضدّ شعب فلسطين على مدى عقود، لا سيما في قطاع غزة الذي شهد اربعة حروب إسرائيلية عليه خلال عشر سنوات ونيف وسط صمت، بل تواطؤ، من جامعة الدول العربية مع هذا العدوان.
لم يكن لهذه الجامعة أنياب في كل مرة تعرّض فيها لبنان لعدوان صهيوني، بل لحروب أهمّها عام 1982، حيث جرى احتلال أراض لبنانية واسعة، بما فيها عاصمته بيروت، ولم نسمع للجامعة موقفاً عملياً واحداً ضدّ هذا العدوان والاحتلال.
فعلاً لم يكن لجامعة الدول العربية أنياب في كلّ مرة كان العدو الصهيوني ومعه الإدارة الأميركية يشنان الغارات المستمرة منفردين أو بالتناوب على دول عربية عدة من مصر إلى العراق إلى السودان الى سورية إلى تونس، إلى اليمن، إلى الصومال إلخ…
بين الأمة وأعدائها لم يكن للجامعة العربية أنياب، وإذا استخدمت هذه الأنياب مرة، فأنه يكون ضد الشعوب.. والأمثلة كثيرة.
كم نتمنى أن يكون لهذه الجامعة بالفعل أنياب لتمزق كلّ المعتدين ومرتكبي المجازر بحق أبناء أمتنا من المحيط الى الخليج…لا أنياب لذبح شعوبنا وتدمير دولها.
(البناء)