من الصحف الاميركية
شكّل فوز الرئيس الأميركي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة عند الكثيرين، اعتقاداً مفاده أن هذا الفوز سيكون بمثابة “انقلاب” على سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب وما خلّفه من توترات، حيث تغلّب على سلوكه السياسي “خطاب الصدام”.
وكما العادة يأتي كل رئيس بفريقه السياسي الجديد إلى البيت الأبيض، إبتداءً من مستشار مجلس الأمن القومي ومسؤول وكالة المخابرات “سي اَي إي” ووزير الخارجية، وانتهاءً باختيار الوزراء والسفراء.
صحيح أن الرئيس بايدن عين مجموعة من القادة المشهود لهم في واشنطن، بالكفاءة والخبرة، إلا أنه بمجرد تعيّين روبرت مالي مبعوثاً خاصاً بالشأن الإيراني، شن اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل”، حملة تشويه وتشهير شرسة ضدّه.
واعتبر عدد من أعضاء الكونغرس والصحفيين المنحازين “للوبي الإسرائيلي” تعيّينه في هذا الموقع، “يرسم صورة “متشائمة” للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط خصوصاً في الملفين الإيراني والسوري”، فمالي يعتبر أحد عرّابي الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية في عهد باراك أوباما، هل سيؤدي دوراً دافعاً لعودة إدارة بايدن إلى التفاوض، والتواصل مع طهران؟
وقد كتب جوش روغين في صحيفة واشنطن بوست أن اختيار مالي “أشعل الجدل في واشنطن وخلق حرب بالوكالة بين مؤيدين ومنتقدين. وعودته إلى الحكومة لها أيضاً تداعيات هائلة على سوريا، ما يزرع بذرة الخلاف المحتمل داخل فريق بايدن منذ البداية“.
لم ينسَ اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل”، لروبرت مالي مواقفه من إيران وسوريا، ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” عن مصادر أميركية أن “لروبرت مالي سجّلاً حافلاً وطويلاً في التعاطف مع إيران وهو معادٍ لإسرائيل”، مضيفةً أنه “يرتبط بعلاقات قوية مع الإيرانيين.
وقالت الصحيفة إن الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ والأوساط المؤيدة لـ”إسرائيل” أعربت عن “قلقها وخيبتها” عند الكشف عن تعيين مالي في هذا المنصب، متهمين إياه بأنه “سيكون متساهلاً مع إيران ومتشدداً مع “إسرائيل”، بحسب الصحيفة.
وينقل روغين عن مسؤولين سابقين في إدارة أوباما قول أحدهم، إنه عندما كان مسؤولاً في البيت الأبيض، “عارض مالي دعم المعارضة السورية وقاوم الإجراءات العقابية ضد الرئيس بشار الأسد جزئياً، وذلك لحماية مفاوضات صفقة إيران”. وفي مقابلة عام 2018، انتقد مالي المساعدة الأميركية للمعارضة السورية قائلاً: “كنا جزءاً مما أججّ الصراع بدلاً من إيقافه“.
وقد اتبع اللوبي المؤيد لـ”إسرائيل” مع روبرت مالي، من خلال هؤلاء الصحفيين والسياسين المنحازين له، ذات الطريقة التي اتبعها مع السفير الأميركي السابق تشارلز فريمان باغتياله معنوياً. فهناك العديد من الشخصيات الأميركية التي تم اغتيالها معنوياً بشكل شخصي أي إسقاطها سياسياً.
وقد دفع فريمان ثمن مواقفه من قضايا الشرق الأوسط، حيث كان اتهمه “اللوبي الإسرائيلي” بأنه وراء “تفجير” موضوع النفوذ الذي يتمتع به اللوبي في الولايات المتحدة في أعقاب الضجة التي أثارها فريمان في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006.
وكان من أوائل من انتقد تعين مالي في منصبه الجديد هو السيناتور الجمهوري في الكونغرس عن ولاية أركنساس “توم كوتون” الذي غرد في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، بقوله “بأن التعيين المتوقع كان “مقلقاً للغاية” بسبب أن لمالي “سجل حافل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل“.
ومن المعروف أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “الإيباك” المؤيدة لـ “إسرائيل” هي من يقف خلف دعم “كوتون”. ففي شهر نيسان/أبريل من عام 2015 أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الدعم الذي يتلقاه “كوتون” من اللوبي الإسرائيلي هو أكثر بكثير من الدعم الذي يصل إلى غيره من السياسيين الأميركيين في الكونغرس وغيره من المؤسسات الأميركية. ويعتبر كوتون من أهم الشخصيات السياسية الأميركية المعروفة بولائها الشديد للإيباك وتل أبيب.
وتقول مصادر أميركية مطلعة أن دعم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية لهذ السيناتور الشاب بصفته ورقة “أيباك” الأهم في مجلس الشيوخ الأميركي لم يأتي دون سبب، فلقد تحول إلى سند تل أبيب وورقتها الأهم في مجلس الشيوخ حالياً وفي المشهد السياسي الأميركي بشكل عام.
وقد كانت “خطيئة مالي الأصلية” في نظر أنصار “إسرائيل” في أميركا، هي تكذيبه لرواية رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، عن “عروضه السخية” التي قدمها للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي رفضها الأخير، خلال “قمة كامب ديفيد” التي جمعتهما مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون، عام 2000. وقد حضر القمة بصفته عضواً في مجلس الأمن القومي.
وأوضح مالي في مقال نشره في 2001، بعد وصول فريق بوش الابن إلى السلطة، أن “هذه العروض كانت في حقيقتها فخاً للفلسطينيين، يتيح تأبيد السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلّة عام 1967“.
وقد زادت المواقف التي عبر عنها مالي في السنوات التالية حيال حركة “حماس”، وضرورة الانفتاح عليها لكونها طرفاً يتمتع بتأييد شعبي واسع بين الفلسطينيين، وكذلك تشجيعه على الحوار مع سوريا وإيران وحزب الله، ولقاءاته مع مسؤولين من جميع هذه الأطراف، من عداء اللوبي الإسرائيلي له.
خلاصة الموقف أن اللوبي الإسرائيلي، كما لم ينجح في منع أوباما من ضمه إلى فريقه، ومن قيامه تالياً بدور مهم وأساسي في المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي مع إيران في تموز 2015. فإنه اليوم لن ينجح في منع الرئيس بايدن من ضمه لفريقه الأساسي.
وتفيد المعلومات أن روبرت مالي يتماهى بشكل كبير مع التيار الموجود في إدارة بايدن ومجلس الأمن القومي الذي يدعو إلى ضرورة تراجع أميركا عن العقوبات مقابل تراجع طهران عن التخصيب، لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
أعرب دبلوماسيون غربيون في حديث لصحيفة نيويورك تايمز عن تفاؤلهم إزاء إمكانية استئناف الحوار بين اميركا وإيران حول الاتفاق النووي.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين قولهم إن مفاوضات غير رسمية بين واشنطن وطهران قد تنطلق خلال الأسابيع القادمة، على الرغم من المأزق الحالي الذي وصلت إليه مساعي إعادة بدء الحوار بين الجانبين.
وتابعت الصحيفة: “عندما سيحدث ذلك من المتوقع أن تتمكن واشنطن وإيران من الاتفاق على اتخاذ خطوات متزامنة في سبيل العودة إلى الالتزام بالاتفاق المبرم عام 2015″، وأقرت الصحيفة بأن الجانبين يواجهان صعوبات كبيرة حتى لدى اتخاذهما خطوات صغيرة نحو التقارب.