كلمة مستحقة في عيد المعلم
غالب قنديل
يمثّل المعلمون في مجتمعنا قوة بناء صامتة وجنودا مجهولين، يعانون الجحود والحرمان منذ عقود طويلة. فهذا الجيش من نساء ورجال نذروا أنفسهم للعطاء ولسهر الليالي في نقل المعارف والعلوم الى أجيالنا الناشئة، كان على الدوام عرضة لاضطهاد ومظالم رسّخها النظام اللبناني، وما زالت تحكم بظروف معيشية جائرة على جيش جرار يؤدي الخدمة العامة بتعليم الناشئة وتخريج أجيال مؤهلة لخوض معارك الحياة.
أولا: إن جيش المعلمين في بلدنا يضم آلاف النساء والرجال، الذين يصلون الليل بالنهار، ويتراكم الظلم منذ عشرات السنين بحقهم. فهم في أحوال اجتماعية قلقة، تفاقمها المعاناة الحاضرة على صعيد المجتمع. ودائما أدارت الحكومات ظهرها لمطالب هذا القطاع وهمومه المعيشية، وهو مؤشّر على تخلّف النظام السياسي وعقمه وعجزه عن تحقيق الحدّ الأدنى من العدالة، وتأمين الحوافز الضرورية للحفاظ على أداء كفؤ في جبهة أساسية من جبهات الصراع والكفاح ضدّ التخلف والجهل.
جيش المعلّمات والمعلمين، هو قوة شجاعة تحارب لنشر العلم والثقافة في الأجيال الطالعة، ولتربية بناتنا وأبنائنا، ونشر الثقافة والانتماء الوطني بينهم. وهم بذلك رسل تنوير ومعرفة، يبنون روح الوطن وقوة نهوضه الكامنة. ورغم ذلك فإن الجحود والنكران يحاصر هذه الفئة الاجتماعية، التي تتكرر مطالبها منذ عقود ولا من يسأل، وبدرجة مخجلة بالنسبة لأي إنسان عاقل لديه الحدّ الأدنى من الإحساس بالمسؤولية الوطنية. فالمعلمات والمعلمون هم قوة بناءِ وإعداد المجتمع لمجابهة التحديات المتعدّدة، ويتوقف على رسالتهم مستقبل الأجيال والبلاد، في حين يلحق بهم الإهمال والظلم.
ثانيا: إن القوة الاجتماعية التي يمثّلها جيش المعلمات والمعلمين في بلادنا لا يُستهان بوزنها ولا بتأثيرها. ورغم ذلك، فنادرا ما أعطت الحكومات المتعاقبة القليل من الاهتمام لهذه الفئة أو لمطالبها وحاجاتها الملحّة. وهذا أمر مؤسف للغاية في بلد يدّعي أنه بلد الإشعاع والنور وموئل الحضارة، بينما رسل التنوير مهملون مهمّشون غارقون في المظالم.
لا شكّ أننا في زمن انهيار شامل، والمعلمون كسواهم من القطاعات، التي تغرقها المحنة ومشاكلها وأزماتها، ولكنهم أيضا رافد أساسي من روافد النهوض الاقتصادي والاجتماعي في أي البلد، وتقتضي المسؤولية الاجتماعية، بالضرورة، صون هذه القوه البناءة والحرص عليها، وتجديد زخمها وطاقتها. فهي قوة نهوض وبناء يستحيل من دونها لأي بلد أن يتقدّم الى الأمام، فكيف ببلد يتصدّى لتحدّي الخروج من كارثة طاحنة، تستدعي جهودا استثنائية وجبارة من جميع أبنائه!.
ثالثا: إن أجيالا من المعلمين لعبت دورا مجيدا في النهوض بمستوى بلدنا الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وفي كلّ موقع يسجِّل نجاحا أو إنجازا بصمةٌ لمعلم أو معلمة لا ينساها شبابنا، ويقابلونها بالعرفان. هذه ميزة مهمة تطبع علاقاتنا الإنسانية، وترعى التواصل بين أجيالنا المتعاقبة. ومجتمعنا الغني بقيم الوفاء يهب المعلمين قدرا وافيا من الاحترام والتقدير. لكنّ تلك المشاعر الطيبة لم تتحول يوما الى زخم لسياسات عليا في مؤسساتنا، تحقق الحدّ الأدنى من الإنصاف والعدالة لجنود مجهولين أقصى ما ينالونه، هو الثناء الطيّب من عائلاتهم، وهم لا يطلبون أصلا لا ثناء ولا مكافأة.
في يوم المعلم، تحية عرفان وتقدير لجنود مجهولين يعملون بتواضع، ويبذلون جهودا استثنائية في رعاية أجيالنا الطالعة وبناء وطننا، رغم الإجحاف والظلم. فالتحية لكل معلمة ومعلم، والاحترام الكبير لرسالتهم وجهودهم في بناء قوة المستقبل. وكل عام وأنتم جميعا بألف خير، رغم مرارة الظروف وصعوبة ما نعيشه في هذه الأيام.