الغرب والرعب من انتصار إيران
غالب قنديل
يبدو واضحا من السلوك الأميركي، والغربي عموما، أن الدول الاستعمارية باتت تعيش حالة من الترقّب والخشية من لحظة انقلاب المعادلات بانتصار إيراني ناجز، يرغمها على تفكيك منظومات الحصار والعقوبات، وقبول قوة جديدة صاعدة ونامية متحرّرة وقادرة على تغيير بيئتها الإقليمية وتعزيز تأثيرها وإشعاعها في الشرق والعالم الثالث عموما.
أولا: إيران الحرّة والقادرة باتت قلعة حصينة ومنيعة في مجابهة الحصار والعدوان بفعل ما بنته وما راكمته من قدرات ومن مقومات الاستقلال والبناء الذاتي للاقتصاد الوطني، وفقا لتصوّر ثوري قام على تنويع الموارد وعدم الاعتماد الأحادي على النفط، الذي هو ثروة كبيرة في هذا البلد. لكن إيران الثورة استوعبت دروس التجارب الأخرى، ورفضت منذ اللحظة الأولى لقيام الجمهورية نماذج الاقتصاد الأحادي المرتكز على الواردات النفطية، كما هي حال دول الخليج. فصمّمت القيادة الإيرانية على تنفيذ برامج وخطط طموحة لتنويع موارد الثروة. واليوم تشهد التقارير والدراسات الغربية للجمهورية الإسلامية بنجاحها في تطوير صناعة طموحة وزراعة واعدة، وتقدّمها في مجالات اكتساب التكنولوجيا الحديثة، وحيث يساهم جيش من المهندسين والاختصاصيين والعمال في ورشة هائلة وضخمة للبناء الاقتصادي المستقل.
القوة الاقتصادية الطموحة، التي تمثّلها إيران، تمتلك مقوّمات التقدّم والتطور، وهي مصمّمة على متابعة خطتها التنموية الهامة، التي قطعت فيها وثبات هائلة في التقدّم الصناعي والتقني.
ثانيا: القوة الاقتصادية الإيرانية بتنوّع مواردها بين الزراعة والصناعة والسياحة الدينية، وما يرتبط بهذه القطاعات من خدمات وبنى اقتصادية واجتماعية، تمثّل نموذجا متميّزا في العالم الثالث، يعزّز من كفاءته نظام تعليمي متطور، وتأهيل تقني واسع النطاق، ينتج ويضخّ في كل سنة المزيد من الخريجين الى جيوش من المهندسين والخبراء، يساهمون في ورشة البناء الوطني والنهضة الصناعية والزراعية، مزودين بأحدث التقنيات والمعارف العلمية. وهذا بعد رئيسي في تكوين عناصر القوة الإيرانية، حيث يمثّل الشباب العصب الرئيسي لقوة البناء والتقدّم الاقتصادي والتقني، ويعود الفضل في ذلك الى الخطط المنهجية والمدروسة، التي تبنّتها الحكومات المتعاقبة منذ انتصار الثورة، والتي خضعت باستمرار لإعادة تقييم نقدي، ولدراسة النتائج وتعيين الثغرات. وهذا الواقع، الذي يجسّده النموذج الإيراني، تميّز عن سائر بلدان العالم الثالث بحيوية خاصة، بفعل تبنّي مبدأ الانتخابات في تداول السلطة، وبصورة تجمع بين مستوى القيادة، التي يمثّلها المرشد الأعلى ومجلس الخبراء وبين البناء الانتخابي الديمقراطي، الذي حكم قاعدة انبثاق الحكومات وتداول السلطة بصورة مستمرة.
بهذه البنية قدّمت إيران تجربة خاصة، تتّسم بدينامية عالية، ولا تسمح بالتكلّس والتّبقرط المفسد لنسق التطوّر والتنمية في بلدان العالم الثالث، كما بيّنت تجارب أخرى عديدة، استخلص منها قادة الثورة الكبار بزعامة الإمام آية الله الخميني ورفيق دربه السيد الخامنئي دروسا نقدية وعِبرا، شكّلت دليلا منهجيا في تصميم الجمهورية ومؤسساتها.
ثالثا: إيران اليوم هي قوة اقتصادية وتكنولوجية صاعدة في العالم الثالث، تمتلك قدرات دفاعية واستراتيجية هامة في معادلات محيطها الإقليمي، كما هي قوة مهابة على الصعيد العالمي. ولم يكن ذلك ممكنا لولا الحيوية التي اتّسم بها النموذج الإيراني منذ انتصار الثورة، وأمانة القيادة الإيرانية للأهداف العليا، ورفض الانطواء داخل الحدود بعيدا عن التزام قضايا التحرّر، ولا سيما قضية فلسطين، وحمل تبعات الموقف المتقدّم للجمهورية والداعم لقوى المقاومة في المنطقة، بحيث تحوّل بلد الثورة الى منارة إشعاع في المحيط وفي العالم كلّه. وهذا رصيد عظيم، يعود فضله الى الثقافة التحرّرية والإنسانية، التي أرساها الإمام الخميني وعمّقها القائد الخامنئي، وهي تعبّر عن روح الثورة، وعن نبض شعب أصيل، لم يبخل يوما في التعبير عن تضامنه بحرارة مع قضايا الشعوب الأخرى ورفضه للظلم والعدوان، ولا سيما في منطقتنا العربية.
إن تعاظم القوة الإيرانية الاقتصادية والدفاعية، هو بشارة لشعوب العالم بانبثاق قلعة جديدة من قلاع التحرّر، وهو بالنسبة لنا في الشرق العربي مؤشّر الى اكتسابنا لسند مكين، نستطيع الاعتماد عليه في مواصلة الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية على الشرق، وضد الغطرسة الصهيونية العدوانية، التي تلجمها معادلات الردع القاهرة بفضل الدعم الإيراني الكبير لقوى المقاومة، ولإرادة التحرّر في كل مكان.