معاني تصعيد إدارة بايدن ضد روسيا والصين
غالب قنديل
سارعت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن الى تصعيد العقوبات ضد الصين وروسيا، ومواصلة اللهجة العدائية الأميركية في منطقتنا، والتي اتّسمت تاريخيا بانحيازها الى الكيان الصهيوني. وقد تبدّدت سريعا الأوهام التي شاعت في أوساط عديدة عن إمكانية حدوث انفراج في العلاقات الدولية، وفي الوضع الإقليمي بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وتولّي الإدارة الجديد مسؤولياتها.
أولا: الأكيد أن هذه الإدارة بمضمون سياساتها وخياراتها على الصعيد العالمي لن تختلف جوهريا عن سابقتها، فهي حكومة الإمبراطورية الاستعمارية الأميركية، التي تواصل العمل في سبيل تثبيت الهيمنة الأميركية في العالم، واستمرار نهبها اللصوصي في العالم الثالث بصورة خاصة. وفي منطقتنا بالذات علينا أن نبّد الأوهام حول السياسية الأميركي الجديدة انطلاقا من حجم الارتباط الوثيق بين الحزب الديمقراطي والحركة الصهيونية، التي تحضر على الطاولة بنفوذها، كلّما اتصل الأمر بمنطقتنا العربية في دوائر القرار الأميركي.
لا شكّ أن الإمبراطورية الأميركية وأيّا كانت تركيبتها وحكومتها وخياراتها تجاه بلدان العالم، هي محكومة بمعادلات القوة وبالتوازنات المتحوّلة على المسرح الدولي، ولا سيما في المنطقة العربية. فقد فرض محور المقاومة وقائع ومعادلات قاهرة، لا يمكن تجاوزها، وهي تفرض نفسها على السياسات والقرارات الأميركية بالضرورة.
ثانيا: النهج الاستعماري التقليدي، هو الالتفاف على العقد، والسعي الى تفكيك تحالفات القوى التحرّرية المناهضة لإضعاف المعادلات المانعة لتمادي الغطرسة الاستعمارية، والسعي لحصر الخسائر في كمية المصالح، حيث تجد نفسها واشنطن مكرهةً على التنازل والمساومة أو المساكنة مع قوة عاصية صمدت وتمسّكت بمواقفها، واستحال ليُّ ذراعها، رغم ضراوة الضغوط والعقوبات والحصار والحروب. ورغم ذلك تؤكد التجربة أن خبث الأهداف الأميركية لا يتبدّل، حتى في مراحل المساكنة مع الدول العاصية. وهو ما يدفع الحكومات والحركات التحرّرية الى اليقظة والحذر الشديين في مراحل الانحسار الأميركي، وبدء التسليم بالوقائع العنيدة القاهرة.
إن انكسار الفصول السابقة من الغزوة الاستعمارية في الشرق يفرض على واشنطن، كما حصل سابقا، أن تنتقل من الحروب الخشنة والشاملة الى محاولات التحايل والالتفاف والحصار بالعقوبات وممارسة أساليب ملتوية في الحصار السياسي ومحاولات التسلّل والاحتواء.
ثالثا: إن السلوك الأميركي بعد الفشل في إخضاع إيران، وفي تدمير سورية، بنتيجة إرادة الصمود. وكذلك السلوك الأميركي في التعامل مع جميع قلاع التحرّر في المنطقة، مضمونه الحقيقي، هو التحايل والالتفاف بدافع احتواء الهزيمة أمام القلاع الحرّة، ومواصلة اختبار أشكال جديدة من الضغوط والحروب الاقتصادية والسياسية مباشرة وبالواسطة. وهذا أمر تمارسه واشنطن بصورة سافرة على صعيد العالم. وهو يطال دولا عظمى كروسيا والصين، كما يستهدف إيران، ويُمارس بكل شراسة في منطقتنا ضد محور المقاومة والتحرير، فيشمل سورية ولبنان واليمن والعراق. وبكل تأكيد فإن العبرة الأساس في عدوانية واشنطن تتكشّف باستمرار الدعم الوثيق للكيان الصهيوني، ولدوره العدواني في منطقتنا وعلى جميع الجبهات.
إن الشوط الذي قطعه محور المقاومة في مراكمة القدرات وعناصر القوة، وحجم التحوّل في العلاقات الدولية بصورة تعزّز التوازنات، التي تبرز فيها دول مناهضة للنهج الأميركي، ومستعدة لممارسة سياسة مختلفة ونهج يقوم على التكافؤ والشراكة مع دول العالم الثالث فرض توازنات جديدة. وهذا الأمر هو فرصة كبيرة ومهمة لشعوب العالم الثالث ودولها الحرّة والعاصية، ولجميع حركات التحرّر، فهو يفرض بيئة عالمية مناسبة لتنامي نزعة التحرّر والاستقلال ورفض الهيمنة. وهذا ما يوفّر ظروفا أفضل لكل نضال تحرّري في بلداننا، ولا سيما في منطقتنا، التي تحتلّ مكانة مركزية في شبكة المصالح والعلاقات الدولية.