الصمود السوري يفضح النفاق الأوروبي
غالب قنديل
في يوميات صمود سورية ومجابهتها للغزوة الاستعمارية الغربية المتواصلة يفتضح أمر النفاق والكذب، الذي تمارسه الدول الأوروبية بادّعاء التميّز عن الولايات المتحدة الأميركية الإمبراطورية الغاشمة والعدوانية في سياستها تجاه دول العالم الثالث الحرّة والمقاومة، ولا سيما في شرقنا العربي، حيث تَستهدف سوري بتدابير عدائية غاشمة، وبلهجة متغطرسة، ترفضها دمشق بإباء وكرامة.
أولا: أسقطت تجربتنا في منطقة الشرق جميع المزاعم الأوروبية عن التميّز مقارنة بالسياسة العدوانية الأميركية. ويبدو في حصاد التجربة ومحطاتها حجم الفضيحة، التي لحقت بالمزاعم الأوروبية حول هذا البعد السياسي. فالقارة العجوز ملحقة بجميع دولها “العظمى” بالمركز الأميركي المهيمن، وتنفذ الأوامر والتعليمات. ولا مجال للفكّ بين ما تقوم به الدبلوماسية الأوروبية وما تعلنه من مواقف وما يصدر من تعليمات وأوامر عن واشنطن.
التجربتان السورية والإيرانية في المنطقة تؤكدان هذه الحقيقة. وفسحات الانفتاح الأوروبي كانت على الدوام، لمن يراجع الوقائع منذ عقود الى اليوم، بمثابة تحركات أوروبية بالوكالة عن الإمبراطورية المهيمنة. والقارة العجوز تزهو بدولها “العظمى” بأدوار الوكالة الوظيفية، التي يكلّفها بها الأميركي، ولا تجرؤ على الابتعاد قيد أنملة عن القرار والتوجيه، الذي تصدره واشنطن لجميع أعضاء المنظومة الغربية الأطلسية. وهذه حقيقة تنسف جميع الأوهام، التي راجت ومازالت منتشرة في العالم الثالث، عن تميّز افتراضي لأوروبا الغربية عن سياسات واشنطن.
ثانيا: الشراكة الأوروبية في تدابير الحصار الخانق على سورية، وفي منظومة العقوبات ضد إيران وحركات المقاومة، تمّت بإملاءات وأوامر صادرة عن واشنطن، وهي مستمرة ومتواصلة بالإمرة الأميركية. ولا تملك العواصم الأوروبية تميّزا عن واشنطن إلا بلهجة النفاق والمداهنة، حين يكلّفها الأميركي بفتح قنوات الاتصال أو جسّ النبض في عواصم المقاومة والصمود، سواء مع الحكومات أو مع الحركات الشعبية المقاتلة في لبنان وفلسطين واليمن.
إن النفاق الأوروبي عن حقوق الإنسان، وعن العدالة في العلاقات الدولية، يسقط بالتجربة. ومشاركة دولة كفرنسا، تحاضر كثيرا عن حقوق الإنسان وتبالغ في ادّعاء التميّز عن الأميركي، فتستنكر حكوماتها أخذها بجريرة واشنطن وسياستها في المنطقة، لكنها في الواقع غير مستعدّة أبدا لتحمّل أعباء أي تمايز سياسي عن المشيئة الأميركية في المواقف الجوهرية من منطقتنا، حيث تبدو باريس شديدة الانضباط والحماس في تنفيذ الأوامر الأميركية المتّصلة بأشرس موجات العدوان على المنطقة وبلدانها.
ثالثا: إن الوهم الأوروبي لدى شعوب منطقتنا تبدّد منذ زمن بعيد. وجميع الرهانات سقطت أمام التحاق جميع العواصم الغربية بالمشيئة الأميركية، وتنفيذها لأوامر واشنطن في كل شاردة وواردة، تتصل بأوضاع الشرق العربي. وقد آن الأوان لتحرّر الكثيرين في منطقتنا من وهم التميّز الفرنسي أو الأوروبي، الذي تكذّبه الوقائع العنيدة، وتدحضه مجريات الصراع ويومياته، التي تحتشد فيها الوقائع والعِبر، ومن أبلغها مؤخرا في هذا الشرق المشاركة الأوروبية في محاولة خنق سورية، وتفعيل العدوان الاستعماري الذي يُشنّ عليها بواسطة عصابات التكفير بقرار أميركي، وتحت إمرة واشنطن.
آن الأوان لنا أن نتحرّر من ذلك الوهم الأوروبي، وأن نلقي به جانبا في سلّة المهملات، حيث يستحق. والسياسة الأجدى لقوى المقاومة والتحرّر، هي ممارسة موقف نقديٍّ صارم في مجابهة العواصم الأوروبية وادّعاءاتها واتصالاتها، بحيث تُسدُّ أمامها سبل المناورة، وتوضع أمام اختبارات صارمة لجدّية ادعاءاتها باتخاذ موقف متمايز عن واشنطن. فذلك افتراض لفظي حتى يَثبت العكس بقوة الوقائع. أما استمرار المسايرة في هذا الموضوع، فهو سيعطي المجال للأوروبيين حتى يوسّعوا هوامش المناورة، التي يكلّفهم الأميركي بإدارتها. وبالتالي إن وضع الحدّ لميوعة الموقف، هو السبيل الأجدى لقطع الطريق على هدر الوقت والجهد عبثا. فقد تراكم ما يكفي من الوقائع لتظهير حقيقة أن أوروبا هي مستعمرة أميركية.