سورية تواصل صمودها
غالب قنديل
تستمر حلقة العقوبات والاستنزاف في الإطباق على الجهورية العربية السورية بقرار أميركي – غربي مُحكَم، وبتصميم ظاهر على ليِّ ذراع الجمهورية العاصية، التي تمسّكت منذ عقود بخيارها الاستقلالي التحرّري، وبتصميمها على خط ثابت في رفض الإذعان للضغوط ومتابعة نهجها في التصدّي للغطرسة الصهيونية في المنطقة. ولذلك بلغت الضغوط الغربية ذروتها في السنوات الأخيرة، وتحوّلت الى هجمة شرسة وحرب بالواسطة ومنظومة عقوبات مُحكَمة.
أولا: إن صمود سورية هذه السنوات، وتمسّكها بخيارها الوطني والتحرّري في مواجهة الحلف الاستعماري الصهيوني – الرجعي ومشاريعه في المنطقة، يمثّل إنجازا سياسيا وميدانيا واقتصاديا بالقدرة العالية للدولة الوطنية السورية على تحمّل نتائج الحصار والاستنزاف والتكيّف، بصورة تحفظ القدرات الدفاعية، التي ظلّت على أهبة الاستعداد في وجه العدوان. وطوّرت الجمهورية العربية السورية خلال هذه السنوات، ورغم كلّ شيء، منظومتها الدفاعية وتحالفها مع روسيا والصين والجمهورية الإسلامية في إيران. وهي استطاعت أن تعزّز قدراتها الدفاعية وموقعها القيادي في محور المقاومة، بالشراكة والتحالف مع الجمهورية الإسلامية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية.
إن الثبات السوري في مقدمة معركة التحرّر، ورفض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، هو نموذج هام للخيار التحرّري في العالم الثالث. وهذه حقيقة تثير إعجاب جميع الأحرار في المنطقة والعالم. فقد فشلت عمليات الاستنزاف والضغوط والتهديدات في ليِّ الذراع السورية بفعل صمودها وتمسّكها بالخيار التحرّري الاستقلالي في وجه هجمة شرسة وغير مسبوقة، حُشدت لها إمكانات عالمية وإقليمية ضخمة، لا مجال لمقارنتها بقدرات الدولة الوطنية السورية.
ثانيا: إن أحد أهمّ عناصر القوة في موقف سورية، هو الثبات على الخيار التحرّري في مجابهة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية. وهذا ما عبّرت عنه الإرادة السورية الصلبة، والتصميم على مقاومة الغزوة، وعدم الرضوخ للضغوط والمساومات.
لا شكّ أن من اهم العوامل استناد سورية الى شراكات وتحالفات مع حكومات وقوى مناهضة للهيمنة الأميركية، وحكمة القيادة السورية باعتماد سياسة ذكية في إدارة التحالفات والخصومات، وخطاب سياسي عقلاني واضح قادر على النفاذ الى الوجدان الشعبي والرأي العام في الداخل والخارج، ونجاح القيادة السورية في إظهار ما يجري على حقيقته كعدوان استعماري صهيوني، وليس كما شاءت مفردات الدعاية الغربية في ترويجها لنظرية الحرب الأهلية. وقد مثّل هذا بذاته بعدا حاسما في كسب الرأي العام العالمي، وتظهير حقيقة العدوان، رغم استمرار كثير من الدول في قطيعتها مع الحكومة السورية، ومجاراتها للحصار الاستعماري الغربي، ورغم شعورها بالإحراج الشديد أمام المخاطبة العقلانية السورية المحصّنة بالحقوق السيادية الوطنية في وجه عدوان مكشوف، نجحت القيادة السورية في فضحه أمام العالم.
ثالثا: كان التخطيط الأميركي يقوم على شيطنة سورية وتدميرها وعزلها إقليميا ودوليا. وهذا ما تشهد بفشله دينامية الدبلوماسية السورية، واحتفاظها بعلاقات مع العديد من الدول والحكومات في العالم وفي المنطقة، ورغم تورّط بعض الدول العربية في الشراكة مع حلف العدوان تحت الأوامر الأميركية. والحصيلة هي اليوم وبعد الصمود والثبات، بداية تفكّك أطواق القطيعة والحصار من حول القلعة السورية. وإن لم تجرؤ بعض العواصم الغربية والإقليمية على المجاهرة بالرغبة في استعادة علاقاتها مع القيادة السورية، فهذا ما سيكون لاحقا، وهو حصاد الصمود والتمسّك بالاستقلال، والثبات على الموقف المبدئي.
إن انتصار الجهورية العربية السورية على الحرب الاستعمارية الصهيونية الرجعية، التي استهدفتها، يمثّل انعطافة في المنطقة، وسيكون نهوض القوة السورية بداية صعود لقطب إقليمي فاعل ومؤثّر، يرتبط بشبكة تحالفات دولية وإقليمية مهمة.
اليوم يمكن أن نقول، وبكل بساطة، إن الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني يلقون بكلّ ما في حوزتهم لاستباق مثل هذا التحول، ولوضع العراقيل في وجه الإنجاز الآتي لا محالة. وهذا هو محتوى الفصل الجاري من الحرب على سورية، أي عرقلة انتصار الجمهورية العربية السورية، بعدما بات الأفق محتوما.