بقلم غالب قنديل

الممارسة الإعلامية خارج القانون وتوغل في التوحّش

 

غالب قنديل

ما نشهده واقعيا، على صعيد الإعلام المرئي والمسموع مخالف للأعراف المهنية وللقواعد القانونية الناظمة،التي تصنّف الكثير من الممارسات الرائجة في المرئي والمسموع كمخالفات تستحق عليها عقوبات وغرامات. بل إن معظمها يمثّل إخلالا بأركان الترخيص وشروطه. والمؤسف هو أن شبهة التمويل السياسي الخارجي تقف خلف هذا النوع من الممارسات من غير أن يرفّ جفن لأحد. بل إن المرتكبين يحاضرون بفجور عن الحريات إذا ما انتُقدوا على أخطائهم. وهم يحاضرون بالعفّة، بينما تتلبّسهم شبهات كثيرة، كما تتلبّس المصالح، التي يورّطون مؤسساتهم في الدفاع عنها على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية.

 

أولا: العشوائية الحاصلة في الأداء الإعلامي وتشريع الفوضى والممارسات المخالفة للقوانين وقواعده، بل وللأعراف المهنية، تضخّمت بقوة في زمن شللٍ للسلطة التنفيذية وتناوبٍ للفراغ، وفي مناخ ابتزاز شامل تحت عنوان الحريات، التي تبيح توحّشا وعبثا خطيرا، وتحريضا مفتوحا، مع تحوّل بعض المنابر الإعلامية المرخّصة الى أبواقِ فتنةٍ وتحريض، وترويجٍ لوصفات لا تخدم المصالح الوطنية، وتخالف الأصول المهنية بالمطلق. فالترويج والتشهير مخالفان للأصول القانونية والمهنية. والتحريض السياسي ينافي الأصول الإعلامية والقانونية. وقد تحوّلت بعض المؤسسات الى منابر تمارس هذه السلوكيات بفجور ٍدون اعتبار لأعراف وأخلاقٍ مهنية أو لقواعد قانونية. فالردح والشتيمة والتحريض تحوّلا الى عادات يومية في منابر الإعلام. وهي أفعال وصّفها القانون باعتبارها مخالفات، تستحق العقوبات عليها، وهي تصل الى حدّ سحب الترخيص.

البلد الذي يفاخر بالحريات لديه قانون لا يبيح هذه الفوضى. وما من منطق مهني أو قانوني يسمح بهذا التوحّش وبتلك العشوائية، التي نشهدها في معظم وسائل الإعلام، حيث التشهير وسَوق الاتهامات وتحريف الوقائع باتت شغلا يوميا لعدد من المحطات، دون اعتبارٍ للموضوعية أو للمسؤولية المهنية. فثمة فارق بين ترويج الأحكام الجاهزة وتقصّي تفاصيل الحدث لتوظيفها في التحريض السياسي وبين نقل الحقائق الموضوعية وترك الحكم والاستنتاج للمتلقّي مستمعا أو مشاهدا.

ثانيا: إن الأعراف المهنية  المعمول بها في جميع أنحاء العالم تحتّم الفصل بين الخبر والرأي في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة. والأعراف التي جرى تكريسها في الإعلام اللبناني مخالفة للتقاليد المهنية العالمية، وليس فحسب، لقواعد قانون الإعلام المرئي والمسموع. فكل وسيلة إعلامية مرخّصة في لبنان أو في أي بلد من العالم، يعتمد التعدّدية الإعلامية، تُلزِم بالفصل المهني بين الخبر وبين الرأي، فلا تتحوّل نشرات الأخبار الى بيانات تشهير وتحريض وأحكام جاهزة ضد الخصوم السياسيين. والحقيقة أن الممارسة المهنية في لبنان على هذا الصعيد، متوحّشة وفالتة. فالتشهير والتحريض ملازمان لنشرات الأخبار بصورة خطيرة، تهدّد البلد واستقراره في كل لحظة. وهذا أمر تحمل مسؤوليته بعض إدارات الأخبار المسؤولة عن تعميم اللغة التحريضية والتشهيرية خلافا لمبدأ موضوعية الخبر، الذي ينصّ عليه القانون، ويُلزِم بالتالي، بالفصل بين عناصر الخبر والرأي السياسي. وهذا معمول به في معظم بلدان العالم، بينما في بعض إعلامنا تتحوّل الأخبار الى بيانات تشهير وتحريض، تعمِّم شحنات التوتّر السياسي والاجتماعي.

ثالثا: إن المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، وكلّما تحرّك للفت الانتباه الى تلك المخالفات، تعرّض لترهيب الحريات الإعلامية، التي يحترمها ويلتزم بصيانتها، لكن ثمة فارق كبير بين الحرية الإعلامية وبين تسخيرها لخدمة أهداف ومصالح لقوى داخلية وخارجية، تصرف المال وتدفع لمن يلزم في وسائل الإعلام. وبالتالي ليست المسألة لغزا مخفيّا، لكنها غابة فلتان محميّة بالابتزاز وبالولولة على الحريات.

خطورة العبث الحاصل أنه يمسّ بالقضايا الوطنية، ويهدّد الاستقرار، ويفاقم من الاحتقان. وهو يخدم مصالح خارجية، بكل أسف، وبعيدة عن المصلحة الوطنية. ولا تُجدي صيحات الابتزاز بالتنافخ في خطاب الحرية. فقواعد القانون ملزِمة، وثمة فارق بين الخبر الموضوعي وبين التحريض المبرمج، والفتن المضمرة، وانتهاك أبسط القواعد الأخلاقية والمهنية في الممارسة الإعلامية.

نحن، بكل أسف، في شريعة غاب، ندوس القانون في كلّ يوم، ونتجاهل الأصول والأعراف المهنية، ونؤجّج العواف والخواطر في لعبة جهنمية تودي ببلدنا الى الجحيم. وهذا مسار خطير، يجب أن ينتبه أصحاب وسائل الإعلام المتورّطة في هذا النوع من السلوكيات المثيرة والمؤذية، الى أنه يضعهم في موقع المسؤولية عن تحفيز الخراب والفوضى. وبمعزل عن فعل القانون المعلّق بقرار السلطة التنفيذية، وبنتيجة عجزها عن تفعيل آليات المحاسبة بوقوعها تحت الابتزاز، لن يعجب هذا الكلام كثيرا من الزملاء في وسائل الإعلام، ولكنّي كعادتي أردت أن أكون صريحا وواضحا. فما يجري على الهواء خطير وغير عادي، ولا يمكن أن نسكت عنه، ونترك الحبل على الغارب، حتى لو كانت يدنا، كمرجعية ناظمة، مغلولة في حلقة الابتزاز، الذي تخضع له السلطة التنفيذية، ويجد مجلسنا نفسه في العراء أمام المخالفات. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى