بأي شراكات سيواجه لبنان تحديات الانهيار؟
غالب قنديل
بعيدا عن جميع الحسابات والمواقف، يطرح التحدّي الاقتصادي الخطير أسئلة الشراكات الإقليمية الدولية بإلحاح شديد، يسود عليه في دوائر القوى السياسية الرئيسية تكرار الوصفات التقليدية في العلاقة مع الغرب كاتجاه آحادي من موقع دوني- عام ثالثي تابع، لا يليق ببلد المقاومة والتحرّر، الذي تحدّى الغطرسة الصهيونية والاستعمارية.
أولا: إن الكلام في الموضوع الاقتصادي والمالي، الذي يطغى على غيره من الهموم، ليس معزولا عن السياسة. والخيارات التي سترسو عليها الإرادة اللبنانية مع أي حكومة مقبلة، لا بدّ وأن تستجيب للتحديات الحاضرة، وأولها وقف الانهيار وبلورة رؤية لكيفية إحياء الاقتصاد الوطني وترميم نسيجه المتهتك.
الوقائع تشير الى أن النهج المعتمد في مقاربة هذا المأزق الوطني، ينطبق عليه وصف “الصفرية” أي انعدام الذاكرة وعدم مراكمة العِبر من التجارب والخيبات السابقة، وتكرار المجرّب، الذي قيل قديما إنه نتاج عقل مخرّب.
ثانيا: إن إعادة البناء الوطني والنهوض بالاقتصاد اللبناني وإنعاش قطاعاته المنتجة والخدماتية على السواء ليس أمرا مستحيلا، لكنه يقتضي إرادة وطنية موحّدة، ووعيا استثنائيا لطبيعة التحديات والمخارج، بصورة تفضي الى بلورة مشروع متكامل لإعادة البناء الوطني، على قاعدة ترسيخ الاستقلال، الذي حصّنته المقاومة، والشراكات المجدية في المحيط وفي العالم على أساس الندّية والتكافؤ في المصالح.
إن النهج السائد في الواقع اللبناني الرسمي يناقض ما تقدّم ويخالفه، بكل وضوح. وما لم تجرِ مراجعة هذا النهج لتصحيحة واستدراك الثغرات الخطيرة، التي تبدّد الوقت والفرص، فإن البلد معرّض لأن يستغرق أكثر في هوّة الانحدار والانهيار.
ثالثا: لقد تغيّر العالم، وتغيّرت المنطقة سياسيا واقتصاديا، وما كان ممكنا وسهلا طوال العقود الماضية، بات شبه مستحيل. والغريب في الأمر أن بعض القيادات اللبنانية ما زالت تفرك العيون مشدوهة أمام هذه التحولات، تكرّر وصفاتها القديمة كمن يدير اسطوانة مشروخة في موكب جنائزي.
إن الأزمات الخطيرة تدعو الى التحرّر من القوالب الجامدة، والى التفكير المنفتح في المخارج والأزمات، التي يرتسم بها طريق الخلاص من كارثة محقّقة كالتي نحن فيها. ومن هنا فإن أوسع نقاش وطني في الحلول والوصفات الممكنة لتخطي الانهيار الخطير، هو الطريق لبلورة تفاهمات وبناء إراد مشتركة. وما لم يكن ذلك مهمة في رأس جدول الفريق الحكومي العتيد المنوي تشكيله، فعبثا نهدر الوقت، بعيدا عن بلورة الإرادة المشتركة وخطة العمل الوطنية القادرة على انتشالنا من المأزق.