تقطيع الوقت وكلفة هدر الزمن
غالب قنديل
يبدو بوضوح من خلال الوقائع المتراكمة أن المسار السياسي اللبناني مستمر في متاهة تقطيع الوقت وتبادل الاتهامات عن تأخّر تشكيل الحكومة في ظرف تحتاج فيه البلاد الى خطوات سريعة سياسيا وإداريا وماليا لمنع سقوطها في هوة خطيرة.
أولا: لا خيار أمام أيِّ من الجهات السياسية التي تتبادل الاتهامات بإعالاقة والعرقلة إلّا أن تتوافق على صيغة مشتركة لتشكيل الحكومة الجديدة، وعلى مضمون برنامج هذه الحكومة، والإجراءات العاجلة المطلوبة لمنع سقوط البلد في مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي الخطير، وهو في سباق مع الزمن واقعيا، للحدِّ من الخسائر واستعجال التفاهم على تشكيل الحكومة الجديدة، بدلا من ترك البلد يغرق في تآكل خطير مع استمرار الفراغ وحالة تصريف الأعمال، التي تحدّ من قدرة الفريق الحكومي على اتخاذ القرارات والخيارات الكفيلة بلجم الانهيار ومنع تماديه.
إن خطورة استمرار الفراغ الحكومي تتأتّى من ازدحام التحديات الاقتصادية والمالية والصحية، التي تتصدى لها حكومة تصريف الأعمال حاليا، وهي تتطلّب بالأصل حكومة كاملة الصلاحيات والقوام الدستوري، قادرة على تعبئة الإمكانات الوطنية المستنزفة في مجابهة الجائحة والحدّ من وطأة الانهيار.
ثانيا: إن المدخل الوحيد للتعامل مع الظروف الضاغطة، هو تشكيل الحكومة الجديدة وإطلاق العمل في مؤسسات الدولة للتعامل مع التحديات المتراكمة، وترسيخ حالة الوحدة الوطنية وثقافة الإرادة المشتركة في عبور المرحلة الصعبة. ولا خيار أمام اللبنانيين، واقعيا وعمليا، سوى التضامن والتكاتف معا لوقف الانهيار وللتعامل مع الجائحة وما تطرحه من تحديات. وهذا التزامن بين الأزمتين، لا يمكن التصدّي له إلا بإرادة وطنية قوية، وبحالة من الوفاق الداخلي، تحتضن المؤسسات العامة، وتعزّز قدراتها على القيام بواجباتها.
لبنان محكوم بالتوافق لتوليد الإرادة الوطنية بحكم تكوينه التاريخي والسياسي. ولذلك لا معنى لوضع العراقيل في وجه بلورة تلك الإرادة المشتركة من خلال حكومة جديدة ببرنامج الحدّ الأدنى، الذي يلبّي التحدّي الإنقاذي. واستمرار الفراغ الحكومي في مثل هذه الظروف من شأنه أن يضاعف الخسائر، ويزيد من تسارع التآكل المفضي الى هاوية خطيرة، يتحمّل أعباءها المواطنون اقتصاديا وماليا، وتنذر سياسيا بأوخم العواقب.
ثالثا: مجددا نقول، إن بلورة الإرادة الوطنية المشتركة بمعادلة التوافق على الحدّ الأدنى الممكن، هي المدخل الضروري لوقف الدوامة، ولتحريك مسار جديد، يسمح باحتواء الخسائر، والتصدّي للتحديات الكثيرة، التي تزدحم اليوم، وتهدّد جميع اللبنانيين وبدون أيّ استثناء.
المطلوب هو عدم الوقوف عند العُقد متفرجين، وترك السلطة التنفيذية في حالة انحلال ووهن. فغياب حكومة تحظى بثقة المجلس النيابي، وترك البلد في حلقة تصريف الأعمال، هو أخطر الثغرات السياسية، التي يحملها الظرف الراهن. ونقول بصراحة إن ما نقرأه ونتابعه من تسريبات عن خلافات في وجهات النظر، لا يبرّر واقعيا استمرار حالة الفراغ وتقاذف الاتهامات. فالوضع الاقتصادي والمالي يدخل حلقة شديدة الخطورة، من حلقات الانهيار المتواصل، وهو أمر لا يمكن التصدّي له كما ينبغي بواسطة حكومة تصريف الأعمال، مع الاحترام والتقدير للجهود التي بذلها ويبذلها جميع أعضاء هذا الفريق الحكومي ورئيسه في هذه الظروف الصعبة.
لبنان يواجه تحديات كثيرة يستحيل التعامل معها في ظل الفراغ الحكومي، نظرا لطبيعة الأحكام الدستورية المقرِّرة في مثل هذه الحالات. والإجراءات التي سيكون على السلطة التنفيذية اتخاذها اليوم للجم الانهيار الحاصل اقتصاديا وماليا، ولمنع تداعياته الاجتماعية، هو أمر مستحيل في ظل الفراغ الحكومي وتصريف الأعمال. وبالتالي لا بديل عن تذليل العقبات بسرعة وإعلان حكومة جديدة، تبلور مشروع خطة في مجابهة الأزمة الخطيرة اقتصاديا وماليا وصحيا. وما عدا ذلك هدر للوقت بلا طائل، ومقامرة خطيرة بمصير البلاد والعباد، ورفع للكلفة التي يدفعها اللبنانيون.