بايدن يبدأ من اليمن… ولبنان: ناصر قنديل
– مع مرور أسبوعين فقط على توليه الرئاسة الأميركية، أطل جو بايدن ووزير خارجيته ببيان رئاسي حول السياسة الخارجية تضمن شرحاً لمبادئ العودة الى الدبلوماسية، تجاهل فيه الملف الأشد أهمية في السياسة الخارجية، الذي عيّن له أول مبعوث رئاسي، هو الملف النووي الإيراني، مانحاً الفرصة للاتصالات الجارية بصدده لتستكمل مسارها بهدوء وصمت، لكنه وعلى الملأ وبوضوح سياسي تبنى مبادرة عملية وحيدة، هي وقف صفقات الأسلحة إلى السعودية والإمارات وإعلان نيات يقوم على وقف الحرب على اليمن، وبيان وزاري مشترك مع فرنسا يتحدث حصراً عن لبنان وملفه الحكومي. وبعد مرور أسبوعين كاملين بالمقابل، لم يبادر الرئيس الأميركي ولا وزير خارجيته على إجراء محادثة تقليدية كان يجريها كل رئيس جديد ووزير جديد برئيس حكومة الاحتلال ووزير خارجيته خلال الأيام الأولى لتوليهما منصبيهما، وبالتوازي خلا البيان الرئاسي من أي إشارة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية.
– الملف اليمني ليس ملفاً يخص الخليج فكيان الاحتلال شريك كامل فيه، وقد سبق وتحدث قادة الكيان عن دعمهم الكامل للحرب التي تخوضها السعودية والإمارات، ووضعوا قوة أنصار الله في إطار جبهة المخاطر التي تهدد أمن الكيان في أي حرب مقبلة، وفي الملف اليمني لا تسلك إدارة بايدن طريق عنوانه تنشيط الجهود الأمميّة لحل سلمي وتقديم الدعم لها، بل تسلك طريقاً مخالفاً، عنوانه تحميل السعودية والإمارات مسؤولية استمرار هذه الحرب، وهذا معنى الإعلان عن وقف صفقات السلاح إليهما، وبالتوازي إعادة النظر بقرار تصنيف أنصار الله على لوائح الإرهاب الذي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب في آخر أيام ولايته.
– يرسم بايدن بمقارباته السريعة إطاراً يلتزم فيه مع إدارته بحماية الحليفين السعودي والإسرائيلي، لكنه يحرمهما من ميزة تقليدية تمتعا بها طوال عقود، هي ميزة الشراكة في رسم السياسات، عندما كانت تل أبيب ترسم السياسة الأميركية العليا في الشرق الأوسط، وكانت الرياض ترمز لتوجهات السياسة الأميركية عربياً، بينما تستعد إدارة بايدن للإقدام على أكبر خطوة خارج سياق القبول السعودي الإسرائيلي، تمثلها العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وبالتوازي تقليم أظافر يرد الاعتبار لمبادرات أميركية مستقلة عن الحليفين أو على حسابهما، كما هو حال مبادرة وقف الحرب على اليمن، والمبادرة التي أعلنها وزير الخارجية الأميركية توني بلينكين مع وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان عن لبنان، في سابقة نادرة بإصدار بيان ثنائيّ عن الوزارتين، تضمن التشديد على مواصلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت للوصل الى نتائج حاسمة، من دون أي إشارة لمطالب البعض بتحقيق دولي، رغم استغراب البيان لتأخر نتائج التحقيق، وانتهى البيان للدعوة الى حكومة ذات مصداقية مستبعداً الحديث عن حكومة اختصاصيين، والأهم مبتعداً عن إشارة دأبت عليها كل البيانات الأميركية المنفردة والمشتركة مع الآخرين حول لبنان، وهي مربط الفرس الإسرائيلي، تحت عنوان تحميل حزب الله مسؤولية كل كوارث لبنان ومشاكله، ويكفي لفهم حجم التغيير مقارنة البيان الأميركي الفرنسي ببيانات وزير الخارجية السابق مايك بومبيو المنفردة والمشتركة مع وزراء دول أخرى.
– ترغب جماعة أميركا في لبنان، الملكيون أكثر من الملك، أن يقولوا مع الكلام عن العودة الأميركية الوشيكة إلى الاتفاق النووي، أن أميركا منتصرة وقوية كفاية لتفرض شروطها، ويخاطبون خصومهم من مؤيدي المقاومة، لا تستعجلوا الأمور فلا عودة إلى الاتفاق إلا بشروط ترضي إسرائيل والسعودية، ويضيفون لا اهتمام أميركياً بأي مسعى سياسي للحل في لبنان إلا من بوابة استجابة اللبنانيين للمشاركة في حصار حزب الله وتهميشه وصولاً لطرح مستقبل سلاحه على الطاولة، فكيف سيتلقون هذه الصفعة القاسية؟