علة عقدة تشكيل الحكومة في توزيع الحصص ولا شيء آخر: عمر عبد القادر غندور*
لن تقوم قيامة للبنان إلا بإلغاء الطائفة السياسية
لا نقول انّ الرئيس نبيه بري حَرّك المياه الراكدة عندما قال «انّ عقدة تشكيل الحكومة ليست من الخارج بل من عندياتنا»، وهو قول صحيح نزيد عليه انّ مياه السياسة عندنا ليست راكدة وحسب بل هي آسنة.
فخامة الرئيس كان ردّه سريعاً وأكد فيه انه لا يسعى الى الثلث المعطل. والرئيس المكلف يقول انّ حكومته المنتظرة ستكون من خارج الطيف الحزبي ومن الاختصاصيين وموازية للمبادرة الفرنسية.
في الظاهر، ان لا أحد يريد تعطيل تشكيل الحكومة. وفي الباطن، انّ الجميع يريد حصته كاملة بثلث معطل او من غير ثلث معطل ولا عاطل، شرط الحفاظ على حقوق المكونات وفوقها احترام «الميثاقية» وعدالة المعايير.
والشعب العنيد، لم يعد يهمّه قول هذا وذاك، بل يستمطر العون من السماء بعدما فقد آخر أمل من الارض، وبات مقتنعاً أكثر من أيّ وقت مضى، انّ ما يطلقه أهل الحكم في لبنان «سوبر» أكاذيب لا تتحقق، وأشبه بوجبة عشاء دسمة في ساعة متأخرة يليها نوم وأضغاث أحلام.
وعن مثل هذه الأحلام، اعلن الرئيس سعد الحريري يوم 21 تشرين الأول 2019 عن مجموعة إصلاحات سارعت الحكومة الى إعلانها بالتفصيل لا حباً بالإصلاح، بل لامتصاص ما سُمّي «ثورة» الحراك المطلبي والانتفاضات والاحتجاجات والغضب وضرورة رحيل الطبقة السياسية، فرحلت كلّ هذه التدابير وبقيت الطبقة السياسية بوجوه جديدة تحصّنت في حكومة الرئيس حسان دياب التي تعهّدت في بيانها الوزاري بخطة طوارئ إنقاذية، وسلة إصلاحات محورها ورشة إصلاح قضائي وتشريعات مالية وإدارية ومكافحة الفساد. وأكدت التزامها بسرعة تنفيذ هذه الخطة، وفي مقدّمها حماية ودائع اللبنانيين، لا سيما صغارهم، والمحافظة على سلامة النقد واستعادة استقرار النظام المصرفي وتشجيع الأدوية البديلة (الجينريك).
في موضوع الإصلاح القضائي رأينا كيف ضاع التحقيق في انفجار المرفأ بعد أن سلك طرقاً غير معبّدة.
أما التشريعات المالية رأينا نماذجها في يوميات وهندسات حاكم المصرف رياض سلامة المتهم بترحيل مئات الملايين من الدولارات وفق مضبطة الاتهام السويسرية.
أما مكافحة الفساد لا يمكن ان تتمّ على أيدي المفسدين الذين يحرسون ميزان العدل، او كمن يعيّن المفلس وكيلاً عن التفليسة!
ويبقى الفساد عصيّاً وأكبر من التحقيق، ولا شيء فوقه في لبنان. أما حماية ودائع اللبنانيين في المصارف فهي الكذبة الأكبر للصغار والكبار والرهان عليها كالرهان على وجود لبنان الدولة…
أما الإصلاح في مضمار المصارف، الله لا يرحم هذه المصارف التي خانت الأمانة وسرقت حتى اللبنانيين، وخسرت سمعتها وثقة الناس بها لمئتي سنة مقبلة.
أما التشريع المالي وسلامة النقد فقد أعطى ثماره بحيث بدأ سعر صرف الدولار ينطح عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية والخير لقدام…
أما تشجيع الأدوية البديلة (الجينريك) فلا أدوية أصيلة اليوم في لبنان ولا بدائل ولا جينريك ولا صناعة أدوية تكفي مع دعائنا للجميع بطول العمر.
وحتى لا تخوننا الذاكرة نذكر بعناوين هذه الإصلاحات الحكومية الرسمية التي لم تأتِ ولن تأتي والتي أقرّتها الحكومة ولم ولن تنفذها ولا عشرة من أمثالها:
ـ التحقيق الجنائي.
ـ إعداد مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة.
ـ إقرار قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد.
ـ خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين بنسبة 50 %..
ـ خفض موازنات مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجّرين ومجلس الجنوب 70 %..
ـ خفض ألف مليار ليرة (نحو سبعة ملايين دولار) من عجز الكهرباء.
ـ خصخصة جزئية او كلية للعديد من القطاعات العامة ومعظمها خارج الإنتاجية ولا لزوم لها، من ضمنها قطاع الهاتف المحمول ومرفأ بيروت وكازينو لبنان وخطوط طيران الشرق الأوسط.
ـ ومن بين التدابير الاجتماعية الموعودة الواجب اتخاذها والتي يمكن توفير هدرها من القطاعات العامة سكة الحديد المتوقفة منذ عقود ولها موظفون لا عمل لهم، ومدير عام ورئيس مصلحة يقبضون رواتبهم وبدل تمثيل وربما ساعات إضافية.
هذه هي حكوماتنا والسراب سواء.
وبات على اللبنانيين الذين أدمنوا على حكوماتهم الفاسدة لا شفاء منها ولا خلاص، إلا في حالة واحدة لا ثاني لها وهي نبذ الطائفية من نظامنا وهي علّة لبنان والتربة التي يترعرع فيها متعهّدو الطوائف يضحكون على الناس ويركبون على ظهورهم ممن يرضون بذلك.
*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي
(البناء)