التكالب الغربي لمنع صعود اليمن
غالب قنديل
تعرف الدوائر الغربية الاستعمارية أهمية الموقع اليمني في جغرافيا المنطقة، وهي لذلك تضع هذا البلد ضمن مناطق الاستهداف المحورية لفرض الهيمنة على المنطقة ككل، انطلاقا من أهمية هذا الموقع وثقله السكاني والاقتصادي، الذي يرشّحه لأدوار فاصلة في معادلات المنطقة الاستراتيجية. وهذا هو بالذات ما يفسّر حلقة الحصار والاستنزاف المفروضة على الشعب اليمني منذ سنوات.
أولا: إن حجم اليمن السكاني وموقعه الاستراتيجي يكسبانه ثقلا نوعيا ويرشحانه لدور حاسم ومقرّر في آسيا وإفريقيا. فهذا البلد يمثّل عقدة استراتيجية على تماس مع المعادلات والتوازنات الإفريقية – الآسيوية. وهو بات مصدر رعب للاستعمار الغربي، منذ لاحت فيه ملامح الخيار التحرّري المناهض للهيمنة الاستعمارية والمعادي للكيان الصهيوني. وطوال العقود التي انقضت، تركّزت الجهود الغربية والعربية على منع تبلور واقع سياسي في اليمن بهوية وطنية تحرّرية. وقد نشطت التدخّلات الغربية خلال هذه العقود لمنع وحدة اليمن، وللحؤول دون تحوّل هذا البلد الى قلعة للتحرّر، تناصر قضية فلسطين، وتتصدّى للهيمنة في المنطقة.
طيلة العقود الماضية صمد اليمنيون، وتبلورت لديهم، في مخاض تاريخي غير بسيط، إرادة تحرّرية واضحة وقيادة تحمل نهجا وطنيا معاديا للصهيونية والاستعمار. وهذا التحوّل يفسّر الخطط الغربية المتواصلة لخنق اليمن واستنزافه لمنع انضمامه الى قلاع التحرّر والمقاومة في المنطقة. فاليمن بهويته الجديدة وطنيا وعربيا بات جزءا من محور المقاومة ورفض الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة. وهذا تحوّل عظيم يعزّز قدرات محور التصدّي للاستعمار والصهيونية في الشرق العربي، بانضمام اليمن الى الكتلة التي تضم سورية والعراق وإيران في مواجهة التهديد الصهيوني والهيمنة الاستعمارية الغربية.
ثانيا: هذا الأفق هو ما تتجه اليه صيرورة الأحداث، وهو ما تخشاه الدوائر الاستعمارية، وتسعى الى الحؤول دونه بأي ثمن. ولذلك تحيط اليمن وتحاصره بكل ما تستطيع من العوائق المانعة لصعود قوته الاستقلالية الحرة، بعدما نجح اليمنيون في بلورة قلعة صاعدة، تختزن إمكانات هائلة بحجم السكان والقدرات الاقتصادية، التي إذا اجتمعت مع الإرادة الصلبة للمحاربين الشجعان وللشعب الأبي، يمكن أن تثير الرعب في جميع دوائر التخطيط الاستعماري. وقد أثبت اليمنيون درجة عالية من الصلابة والوعي والتماسك حول قياداتهم الوطنية، ولم تنجح المؤامرات والمحاولات، التي لم تنقطع، في النيل من وحدتهم. قد باتوا في السنوات الأخيرة مثالا للتضامن الوطني ولوحدة الخيار التحرّري.
ينبغي الاعتراف لقيادة أنصار الله بأنها صاحبة الإنجاز بنهجها العقلاني وقدرتها على جمع الحلفاء والشركاء في قلب النسيج الوطني اليمني. وهذا ما ينبغي أن يُشهد له، وهو تجربة تستحق الدراسة. فبفضل هذا التلاحم الوطني يصمد اليمن في وجه التكالب الاستعماري الغربي وضد العدوان والحصار المستمرين، ويسطّر الشعب العظيم في هذا البلد صفحات مجيدة في الصمود والتضحية، تُضاف الى مآثر الصلابة المعروفة عنه تاريخيا.
ثالثا: إن اليمن المقاوم يرسم غده بدماء الشهداء. وهو سيكون القلعة العظيمة والصلبة، التي يستند اليها حلف المقاومة والتحرّر في الوطن العربي. وميزة هذا الشعب العظيم أنه يرفع راية التضامن القومي مع حركات المقاومة والتحرّر في البلاد الشقيقة على أوسع نطاق، وبصورة مدهشة، توضح الوقائع أن اليمنيين هم الأشد تحسّسا بين العرب لوحدة المصير ولأهمية التضامن الحارّ مع حركات المقاومة والتحرّر في البلاد العربية. وقد برهن هؤلاء المحاربون الشجعان على أنهم أكثر العرب حماسا للتضامن مع الأشقاء واستعدادا للتضحية في سبيل قضايا التحرّر القومي.
يعوّض اليمن بحضوره وبشجعانه وبمقاوميه الصامدين غيابا موجعا لدول عربية أخرى، أدّت فيما مضى أدوارا مهمة في معارك التحرّر من الاستعمار والهيمنة. ولذلك، فاليمن اليوم هو قلعة عربية صامدة، يجب أن تحتشد الطاقات كلّها لدعمها وللتضامن معها. وتعرّضُها للحصار يهدف، قبل كلّ شيء، الى قطع تواصلها بالأشقّاء، ومنع إقامة الجسور الاقتصادية والسياسية مع رفاق السلاح في سورية ولبنان وفلسطين والعراق.
اليمن المقاوم سيكون قلعة عربية للتحرّر ولمناهضة الصهيونية، وسيكون له عظيم الأثر على معادلات المنطقة، بفعل ما يختزن من ثروات طبيعية، ونتيجة تعداده السكاني وشعبه الفتي وقدرته على التكيّف مع أصعب الظروف المناخية السياسية والاقتصادية. ولذلك يخشى المخطّطون الاستعماريون نهوض القوة اليمنية وتحرّرها وانبثاق قوة عربية تحرّرية لا يمكن تجاهل وزنها وتأثيرها في محيطها الإقليمي.