ملامح السياسة الخارجيّة لإدارة بايدن: ناصر قنديل
– إذا كان جو بايدن قد رفض الموافقة على حرب الخليج الأولى في زمن انهيار الاتحاد السوفياتيّ وذروة الشعور الأميركي بالقوة في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ورفض الموافقة على حرب الخليج الثانية في ذروة الاندفاعة الأميركية في الشرق الأوسط مع حروب جورج بوش الإبن، بمثل ما عارض التدخل في ليبيا في ذروة المناخ الذي وضع التدخل في دائرة الدفاع عن حقوق الإنسان الذي أثاره الربيع العربي والتغطية التي وفرتها الجامعة العربية، فمن الطبيعي عدم توقع أن يتبنى بايدن لغة الحرب، في ظروف التراجع والضعف والانقسام والعزلة التي تحكم الحركة الأميركية، إلا بتوافر شروط مشابهة لحرب البلقان التي انتهت بزوال يوغوسلافيا الموحّدة عن الخريطة الأوروبية، والتي كانت الحرب الوحيدة التي أيّدها بايدن. وهذا الفارق بين بايدن وسواه لا يجوز أن تتم مقاربته من خلال اعتبار رؤساء الحرب أسوأ، ورؤساء المنهج الدبلوماسي أقل سوءاً، بل من خلال تفاوت المدارس الأميركية في مقاربة كيفية الفوز بمشروع الهيمنة، وهنا يستطيع بايدن الادعاء انه الأكثر من زملائه في الرئاسة، جمهوريين وديمقراطيين، خبرة في السياسة الخارجية وحدود القوة المنفردة في صناعتها، وفعالية الدبلوماسية في تحقيق الأفضل منها بأقل الخسائر والأكلاف، خصوصاً أن الفشل كان رفيقاً ملازماً لمنهج الحروب.
– في ظل وضع داخلي شديد القسوة وتورط بأزمات دولية كبرى، تحتاج ادارة بايدن لترسيم أولويات السياسة الخارجية التي تتيح لها، منح الوضع الداخلي الاهتمام الرئيسي، والأولويات تقع ضمن ترسيخ المفهوم الذي يشكل أصل عقيدة بايدن في رسم السياسة الخارجية، ومضمونها أن السباق والتنافس والتحدّي، عناوين يمكن توفير فرص أفضل لخوضها من ضمن الانخراط في التفاهمات من توهّم خوضها عبر القطيعة والعدائية. وهذا مضمون وجوهر ما كتبه في مقالته التي نشرها في شهر آذار 2020 في مجلة الفورين أفيرز، وعنوان هذا المنهج الذي يتبنّاه بايدن هو اتهام دعاة التفرّد الأميركي بلغة القوة والعقوبات والعدائيّة، بجهل أهمية الدبلوماسية في تشكيل موازين القوى، ويسمّي انصار بايدن هذه العقيدة بإعادة الخصوم الى العلبة، اي علبة الاتفاقيات والتفاهمات، التي تعيد حشد الحلفاء في جبهة واحدة، خصوصاً ضمان وحدة الموقف الاميركي والأوروبي وتوفير فرص إحراج روسيا والصين لضمان إجماع دولي عبر الأمم المتحدة، والتحكم بمراقبة الخصوم وإرهاقهم بطلبات التقيد بالضوابط، وملاحقتهم في كل محاولة للخروج من العلبة. فالسباق والتنافس والتحدي، يتجسد سباق تسلح مع روسيا وتنافساً اقتصادياً مع الصين وتحدياً نووياً مع إيران. والحصيلة ان إيران اقرب لربح التحدي النووي إذا خرجت من العلبة وهي الاتفاق النووي. وروسيا أقرب لبلوغ تحديات عسكرية نوعية إذا خرجت من العلبة وهي اتفاقية ستارت، والصين أقرب لرسم سقوف تنافس قياسية اذا بقيت خارج العلبة وهي التطبيق الصارم لاتفاقية المناخ التي ترفع أكلاف الإنتاج وتقيد نسب النمو، وتفرض ضوابط على استهلاك الطاقة.
– حدّد دانيال ر. ديبتريس الكاتب في “أولويات الدفاع” وكاتب العمود في “نيوزويك” 4 قضايا وصفها بأنها ذات أولوية في السياسة الخارجية الأميركية، ويجب على إدارة الرئيس جو بايدن إنجازها خلال 100 يوم الأولى من ولايته. وفصّل ديبتريس في مقال له في موقع «ناشونال إنترست» الأميركي في هذه القضايا قائلاً إنها تتضمن أولوية العودة لاتفاقية وقف سباق التسلح مع روسيا واتفاقية باريس للمناخ، والتهدئة مع إيران، والخروج من اليمن، وجدولة الانسحاب من افغانستان.
– سيشكل ملف اليمن نقطة الانطلاق التي تمهد لرسم السياسة الأميركية في المنطقة، حيث بات محسوماً عزم بايدن على إلغاء تصنيف انصار الله على لائحة الإرهاب، رغم الاعتراض السعودي، وليس خافياً اللوم الأميركي على السعودية في استمرار الحرب في كل تصريحات فريق بايدن وفي طليعتهم وزير خارجيته طوني بلينكن ومستشاره للأمن القومي جايك سوليفان ومدير المخابرات وليم بيرينز، ودعوة السعودية للخروج العاجل من هذه الحرب، وبمثل ما سيشكل هذا التحرك الأميركي على جبهة اليمن رأس جسر لإعادة الثقة مع إيران، يمثل التمسك الذي يبديه بايدن وفريقه بموقع متميز للأكراد سبباً لتجاذب سيحكم المشهد الإقليمي في سورية والعراق ومع تركيا وإيران.
– يخوض روبرت مالي المرشح الأبرز لتولي الملف الإيراني في فريق بايدن والصديق المقرب لتوني بلينكن في تفاصيل العودة للاتفاق النووي، مستعرضاً قضية مَن يعود أولاً، وقضية رفع العقوبات وطلب إيران للتعويضات، ووهم الحديث عن عزلة دولية تعيشها ايران، ليصل الى حتمية انطلاق ديناميكيّة دبلوماسية تنتهي بالعودة للاتفاق النووي والغاء العقوبات.
– يعتقد بعض الخبراء الذين ينطلقون من عقيدة بايدن للانخراط الدبلوماسي بديلاً للتفرد والقوة والعقوبات، ان بايدن سيرسم ثوابت عامة لمقاربته لحل القضية الفلسطينية على قاعدة صيغة الدولتين من دون ان يتورط بمبادرات لإطلاق التفاوض، مكتفياً بتثبيت التحالف الاستراتيجي والدعم العسكري والمالي لـ”إسرائيل”، وتثبيت الانفتاح السياسي والمالي على السلطة الفلسطينية، بينما سيشكل السعي لتوسيع الدور المصريّ وإعادة إحياء الجامعة العربية بزعامة مصرية تستعيد سورية إليها، عنوان الرؤية الأميركية لخريطة المنطقة، لتشكل عامل توازن مع الدورين التركي والإيراني، والسعي لتخفيض منسوب التعاظم في محور المقاومة خصوصاً في سورية والعراق.