سورية ترسم مستقبل المنطقة بصمودها
غالب قنديل
يشهد التاريخ العربي لصمود القلعة السورية في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي وثبات سورية على مبادئها ومواقفها القومية التحرّرية، وتماسكها في مجابهة الحصار والضغوط والعقوبات والحروب المتواصلة مباشرة وبالواسطة منذ عقود. وهذه الملحمة التحرّرية الكبرى التي تخوضها الجمهورية العربية السورية، تمثّل فصلا حاسما من فصول الصراع الدائر حول مستقبل الشرق والعالم، وبحجم ما تمثله سورية كحقيقة استراتيجية، ومن ثقل في معادلات المنطقة برمّتها.
أولا: يتضح لمن يدققّ ويتابع أن الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي مصمّم على مواصلة الحصار والاستنزاف ضد الجمهورية العربية السورية بعد انكسار غزوة التكفير واتّضاح عجزها عن النيل من الإرادة السورية الصلبة المحصّنة بالتحالف مع محور المقاومة في مجابهة الغزوة اللئيمة والدموية، التي انطلقت منذ سنوات، وأزهقت آلاف الأرواح في سورية وعدد من بلدان المنطقة. وقد تكفّل الصمود السوري بإفشال جميع الفصول السابقة، التي شهدت سيلا من الدماء والمجازر وأعمال التدمير المخطَّط لما بناه السوريون بكدّهم وعرقهم خلال العقود الماضية.
والحصيلة التي انتهى اليها الصراع الوجودي، الذي تخوضه الدولة الوطنية السورية مع شعبها وجيشها، وبدعم من حلفائها المخلصين في المنطقة والعالم، ترجّح كفة الانتصار السوري القريب، بعدما تحوّل حلف العدوان الى الضغط والاستنزاف عبر العقوبات والحصار، ومع الإبقاء على أذرع الجاسوسية والتآمر المتربّصة بالقلعة السورية. وحيث يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وبجميع دوله الأخرى، التي لا تقلّ نذالة وتآمرا وخسّة عن معلّمها الأميركي البشع. فالمطلوب بعد الفشل في تدمير سورية وإخضاعها بعد كسر إرادتها، هو عرقلة نهوضها. لأن المخطّطين في الغرب يعرفون أن تبلور مشهد الانتصار السوري، وإعادة بناء القوة السورية المستقلة والفاعلة على مسرح المنطقة، بما لديها من تحالفات، ومن ثقل وقدرة على التأثير، سيمثّل انقلابا تاريخيا في صورة الشرق وتوازناته، بل وفي التوازنات الدولية.
ثانيا: الفصل الجديد من الصراع بين حلف المقاومة ومعسكر الهيمنة والاستعمار بقيادته الأميركية والصهيونية، سيشهد معارك مصيرية ووجودية، لأن التوازنات، التي سينجلي عنها غبار المعارك، سترسم مستقبل المنطقة والعالم. وسوف يتقرّر في ضوء المعادلات الجديدة مستقبل الكثير من ميادين الصراع وحقول التناقضات العالمية. القوة السورية القادمة من معمودية الدم والنار الجديدة، والمجبولة بتضحيات جزيلة لشعب مقاوم مع حلفائه، ستكون قوة إقليمية صاعدة بالنظر لما تختزن سورية بحكم طبيعتها وموقعها الجغرافي من الإمكانات والقدرات ما يؤهلها لتكون قوة صانعة للتوازنات والمعادلات في المرحلة المقبلة. وليس من الفراغ أن الصراع على مستقبل الشرق، خلال العقود الماضية، تمحور في جميع الظروف حول الموقع السوري من التحالفات والتناقضات وخيار دمشق السياسي المقرِّر لخرائط الصراع والتحالف.
وبالتالي فإن تركيز الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي على القلعة السورية الصامدة، ورغم فشل الحصار والاستنزاف وحملات الشيطنة الواسعة عالميا، والتي لم تنقطع وتصدّت لها سورية بكل تماسك وبإرادة صلبة، كما تغلبت على فصول الحصار والعقوبات، وهي تواصل صمودها غير آبهة بالجبروت الاستعماري وما يحشده للنيل من إرادتها.
ثالثا: إن الشراكة بين سورية وحلفائها في المنطقة والعالم راسخة وثابتة منذ عقود. وجميع أصدقاء سورية وحلفائها الكبار يعترفون لها بأسبقية الفضل في الدعم والتضامن خلال مراحل صعبة وقاسية، واجهت فيها تلك الدول الحليفة والصديقة لسورية تحديات وضغوطا قاسية، كانت خلالها سورية سندا وظهيرا وشريكا يُعتمد عليه.
إن تاريخ الموقف السوري الصلب الى جانب الشركاء والأصدقاء يمثّل رصيدا عظيما تستند اليه القلعة السورية اليوم في صمودها، وهي الأسبق في خيارها التحرّري المناهض للهيمنة الاستعمارية، وفي دعم جميع مواقع التحرّر والمقاومة ضد الاستعمار والصهيونية في المنطقة والعالم. ولذلك ليس غريبا أن تحظى سورية الأسد بأوسع مروحة من التضامن والدعم لإرادتها الاستقلالية ولخيارها التحرّري. وهذا الرصيد هو جزء من المخزون الكبير، الذي يستند اليه الصمود السوري، ويشعر به السوريون في كل مكان من العالم.
إن ما يجب الالتفات اليه هو أن الفصل الجديد من الصراع التاريخي بين سورية وقوى الاستعمار والهيمنة اللصوصية سيتطلب تعزيز إرادة الصمود وتحصين القلعة السورية بالتحالفات والشراكات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تسمح بتعديل موازين القوى والانتصار على الحلف الاستعماري الصهيوني. ولعل سورية من بين دول المنطقة، هي أكثر الدول حصانة بشبكة تحالفاتها وصداقاتها، وبما سلّفته سابقا، وهذا رصيد عظيم في حساب ميزان القوى الإقليمية .