ارفعوا أيديكم عن أموال العائلات الأكثر فقراً: بشارة مرهج*
تشير معظم الدراسات الجدّية الى أنّ أحتكار المال والثروة بيد قلة هو السبب الحقيقي والرئيسي وراء الأزمة الاقتصادية المعيشية الخانقة التي يعيشها الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة. وبسبب عوامل خارجية ومعطيات طائفية أصبح النظام في لبنان، بمؤسساته وقدراته، تحت أمر هذه القلة الجشعة التي لا يزيد عددها عن واحد بالمئة من اللبنانيين، إلا إذا احتسبنا أعوان هذه القلة وأزلامها وموظفيها.
وهذه القلة رغم كلّ ما أرتكبته من آثام وسرقات و«هندسات مالية» لم تعترف بفعلتها ولم تتراجع عنها، وإنما هي تصرّ، منذ انفجار الأزمة بوجهها وبوجه البلاد، على اتباع النهج نفسه والأسلوب ذاته غير عابئة بالقوانين والتقاليد والقيَم التي تدّعي التمسك بها في مهرجاناتها الإعلاميّة والسياسيّة. وبعد التجارب المريرة التي عاشتها وتعيشها البلاد أصبح جلياً وجود حلف غير مقدّس يجمع هذه الأقلية السياسية – المالية – المصرفية بحاكم البنك المركزي، حيث يتبادل الطرفان الخدمات ويتناوبان الأدوار لتضليل الرأي العام وتسهيل عملية الاستنزاف التي لا تعرف الى التوقف سبيلا. وإذا كان هذا الحلف الفاسد يرتكز على المنفعة المتبادلة والحماية المتوازية فإنه لم يوفر فرصة، قبل الأزمة وأثناء اندلاعها وحتى اليوم، لتبخيس أيّ رأي آخر ومهاجمة أيّ طرف يقف بوجهه وصولاً الى رفض أيّ حلّ للأزمة السياسية التي افتعلها ويواصل تأجيج نيرانها مع علمه الأكيد بالأضرار الكارثيّة المترتبة عنها سواء بالنسبة للاقتصاد الوطني أو بالنسبة الى ما تبقى من سمعة لبنان.
ومن البدع التي يلجأ إليها هذا التحالف الاقتطاع الدوري من ودائع الناس والسطو على التحويلات المالية التي ترد إليهم من الخارج تماماً كما حدث في منتصف العام المنصرم عندما أجاز حاكم البنك المركزي لنفسه التدخل السافر في عملية التحويل بين المغتربين اللبنانيين وأقربائهم في لبنان واقتطاع أكثر من خمسين بالمئة من قيمة التحويل عن طريق منصاته الكاذبة وأسعاره المتعدّدة، وتسليم الباقي لأصحابه بالعملة اللبنانية من دون أيّ اعتبار لحق الملكية ومن دون أيّ احترام لمبدأ الأمانة في نقل التحويلات مما لم نشهد مثيله في جمهوريات الموز أو ممالك الأونطة.
ولما لم يتصدّ أحد للحاكم يوم ذاك – لا من قبل الحكومة ولا من داخل مجلس النواب – واستمرّ هذا الحاكم في غيّه مستهتراً بأموال الناس وحقوقهم ضجّ المغتربون من ممارساته فسلكوا طريقاً آخر يقيهم شر السطو على نصف إرسالياتهم. ولما تقلص حجم الأموال الصعبة الواردة الى لبنان الى حدّ مفزع بسبب قرارات الحاكم وتعميماته الهمايونية تراجع عنها هذا الأخير بخفة وحذاقة.
واليوم إذ يوافق البنك الدولي على تقديم قرض (نعم قرض) إلى لبنان بقيمة 246 مليون دولار لدعم العائلات الأكثر فقراً تتجه الحكومة مع البنك المركزي الى دفع المساعدات الى هذه العائلات بالعملة اللبنانية بعد اقتطاع 30% منها بحيث يحصل البنك المركزي على مبلغ 72 مليون دولار من أصل القرض من دون قرار واضح عن كيفية استخدامه سواء لصالح وزارة المالية او وزارة الشؤون الاجتماعية أو طلاب المدارس الرسمية، مما سيفتح الباب واسعاً أمام اجتهادات وتنفيعات والله أعلم.
غير أنّ ما يجب التنبيه إليه أيضاً في هذا الصدد هو أنّ أيّ تلاعب بهذا القرض يقوم به «تحالف الواحد بالمئة» من شأنه أن يثير حفيظة المانحين ويدفعهم ثانية إلى التمسك بنهج المقاطعة المعتمد حالياً من قبل الدول العربية والأجنبية المشاركة في مؤتمر «سيدر». إلى ذلك فإنّ تسليم العائلات المبالغ المحدّدة لها بالليرة اللبنانية بدلاً من العملة الأجنبية من شأنه زيادة الكتلة النقدية اللبنانية والمساهمة، تالياً، في زيادة نسبة التضخم ورفع سعر السلع والخدمات الى مستويات أعلى مما ينعكس بدوره سلباً على العائلات الأكثر فقراً. من دون أن ننسى بالطبع ما جرى ويجري ضمن عملية الدعم القائمة حالياً من تجاوزات وسرقات حيث يستفيد كبار التجار والوسطاء من هذه العملية التي فاحت روائحها على رفوف المحال الكبرى في الكويت والأردن وتركيا وبعض البلدان الأفريقية. هذا مع العلم بأنّ ما من ثقة إطلاقاً بأنّ الفوائد المترتبة عن اقتطاع 30 بالمئة من قيمة القرض ستذهب الى الخزينة بوجود هذا التحالف الجشع الذي يفتش عن الربح حتى في جيوب الموتى.
لكلّ ذلك نقول لأركان هذا الحلف المكشوف ارفعوا أيديكم عن أموال الخزينة وارفعوا أيديكم عن أموال القرض وأموال العائلات الأكثر فقراً، ويكفي لبنان مكراً وخداعاً ومناوراتٍ لم تخطئ واحدة منها في ملء جيوبكم وحرمان أصحاب الحق من النزر اليسير الذي يستحقونه.
*نائب ووزير سابق.
(البناء)