تحية للمقاومين على خط الدفاع الأول
غالب قنديل
يتصدّى لبنان للتهديد الصهيوني المتواصل، ويقف المقاومون متأهبين على خطوط الدفاع الأولى في مجابهة العدو، جاهزين للقتال والاستشهاد حين تدعو الضرورة، ويفرض الواجب مجابهة المعتدين، وخلف هؤلاء الأبطال، وعلى امتداد الأرض اللبنانية جنود باللباس الأبيض في جيش طبي، يضمّ حشدا من النساء والرجال، يحملون الأرواح على الأكف لحماية بلدهم وشعبهم من الجائحة الفتّاكة.
أولا: إن الواجب الإنساني والوطني في هذه الظروف يفرض علينا أن نقف باحترام وإجلال أمام جميع الأطقم الطبية من ممرضات وممرضين وطبيبات وأطباء ومسعفات ومسعفين، الذين يحرسون حقّنا في الحياة، ويقدّمون التضحيات في التصدّي للوباء القاتل، ولخطر التفشّي، الذي يتيحه المستهترون من أبناء شعبنا. وهم في هذه المعركة تماما كالمقاومين الأبطال في مجابهة التهديد والخطر الصهيوني، وما يورثه العملاء، الذين اخترق العدو بواسطتهم الصفوف، وأتاحوا له خطوطا رخوة في معركة وجودية.
إن المعركة ضد الوباء هي معركة وطنية بالتمام والكمال، تتصل بحق الحياة، كما كانت المعركة ضد العدو، ولا تزال معركة وجود وكرامة، ويستحق المنخرطون في المعركتين، الذين يضعون أرواحهم على أكفّهم كلّ التضامن والعرفان والتحية من الشعب، الذي يبذلون التضحيات في سبيله.
ثانيا: إن من واجبات المواطن في هذه الظروف، وبعدما فعل التراخي ما فعل لمصلحة تفشّي الوباء وانتشاره وزيادة الخسائر، ولا سيما في الأطقم الطبية الواقفة على خطّ الدفاع الأول، أن يكون جزءا من المعركة الوجودية، التي يخوضها اللبنانيون، وهو يستطيع بحماية نفسه وعائلته وبلدته، أن يقدّم مساهمة جليلة في صمود البلد. فحليف الوباء، هو الاستهتار وسلوك التحلّل من المسؤولية، الذي يبرّره الجَهَلَة بذرائعهم الواهية، وهي بكل أسف، تنتشر في العالم الافتراضي لوسائل التواصل، ويجترّها بعض السفهاء والأميين بكل صفاقة ونذالة.
نقول اليوم وبكل وضوح، إن كلّ مَن ساهم ويساهم في توهين العزائم وإضعاف تدابير الوقاية، بأي ذريعة كانت، هو شريك في جريمة قتل مواطنيه أو إباحتهم للموت عبر تعريضهم للمخاطر الكارثية.
لقد ظهرت بكل صراحة، بوادر تفلّت واستهتار في مجتمعنا، أطلقها وعمّمها طابور من أنصاف المتعلمين والجَهَلَة، الذين أتاحت لهم مواقع التواصل الاجتماعي أن يهرفوا بما لا يعرفون، وأن يتطفّلوا على العلوم والقواعد العلمية والطبية في التعامل مع موقف يقف أمامه العلماء الضالعون في الطب والصيدلة حائرين، باحثين عن سبيل لوقفه ولجم تفشّيه.
ثالثا: قديما قالت العرب “إن درهم وقاية خير من قنطار علاج”، وطريق الوقاية من الوباء القاتل معروف وظاهر للعيان، وتحدّث عنه الأطباء وخبراء الأمراض الجرثومية في كلّ أنحاء العالم منذ اللحظة الأولى. والجَهَلَة يضربون عرض الحائط بكل القواعد الصحية والعلمية، ويطلقون التفشّي المجتمعي للوباء القاتل بعبثهم ولا مسؤوليتهم. وقد بلغ لبنان بفضلهم مرتبة عالية بعدد المصابين قياسا الى عدد السكان. وهذا عار عظيم، هم مَن فرضه على البلد. والمشكلة الأدهى أن الحصاد سيكون مزيدا من الأرواح والتشوّهات والعلل، التي تطال نسبة، ستكون الأعلى بين الشعوب الأخرى. والمصيبة الماثلة أمامنا هي أن محدودية موارد الدولة وإمكاناتها كانت تفرض واقعيا درجة أعلى من الانتباه والتشدّد في التدابير الفردية والجماعية. ومما يؤسف له أن التراخي المجتمعي والحكومي معا، قد ائتلفا مع فيروس كورونا. والحصيلة أمامنا أن لبنان من بين الدول الأعلى في معدلات الإصابة. وهذا “إنجاز” حقّقه قسم من شعبنا “العظيم” هم المستهترون واللامبالون والمماحكون، الذين كسروا الالتزام بالتعليمات الصحية والطبية الصادرة عن الجهات المختصة.
بعدما “وقع الفأس في الرأس”، كما يقول المثل، لا تزال أمامنا فرصة لاستدراك الموقف بوقف تمادي العدوى، وإعادة التقاط زمام المبادرة بمزيد من التدابير المشدّدة، التي توجب خروج وزارة الصحة والأجهزة الطبية من حقول ضغط الابتزاز السياسي والمعنوي، لصالح اعتماد التدابير والخطوات، التي يحدّدها العلم والبحث العلمي، بعيدا عن المهاترات والمزايدات السخيفة والتفاهات المجتمعية الشائعة. بكل أسف نقول إن الفرصة تضيق، لكن المجال ما يزال متوفرا أمام صحوة إنقاذ، للحدّ من خسائرنا، وأهمها خسارة المزيد من الأرواح. فهل من صحوة مجتمعية لإنقاذ ما يمكن ومَن يمكن إنقاذه؟!.