سورية ومستقبل الشرق العربي
غالب قنديل
تلعب القلعة السورية دورا محوريا في معادلات المنطقة وآفاق تطورها، نظرا لموقعها وثقلها الكبير والمؤثّر، وخيارها التحرّريّ الصلب. وهو ما تدلّ عليه جميع المراحل السابقة وصفحات الصراع بين بلداننا في المشرق العربي وبين الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي خلال العقود الماضية، منذ سايكس بيكو الى اليوم.
أولا: إن الثقل الاستراتيجي الذي تمثّله سورية على مساحة الشرق كان تاريخيا في طليعة العوامل المكوّنة لمعادلات القوة، وللتوازنات في هذه المنطقة من العالم، التي تستقطب اهتماما كبيرا من جميع مراكز الهيمنة الاستعمارية، وأحلافها الكبرى بسبب أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة. وليس من المبالغة القول إن العقود الأخيرة أكدت نظرية أن الشرق العربي هو قلب العالم، منه ترتسم التوازنات الكبرى، ومعالم التكتلات الاقتصادية والسياسية على المسرح الدولي. وهذه الحقيقة، كما تؤشّر الأحداث، باقية ومستمرة لعقود قادمة، خلافا لتوقّعاتٍ كثيرة معاكسة.
إن اهتمام الغرب الصناعي والمراكز الاستعمارية الكبرى بمنطقتنا متواصل ومستمر، سواء بفعل تركُّز قسم من الثروة النفطية العالمية ومخزوناتها الضخمة في بلدان الشرق العربي، أم بفعل وجود القاعدة الاستعمارية الصهيونية على أرض فلسطين، ومركزية دورها في قلب منظومة الهيمنة والنهب الاستعماري لثروات المنطقة، وحماية السيطرة الغربية على الأسواق العربية.
ثانيا: خلافا للعديد من النظريات والاختراعات والسيناريوهات، التي تحدّثت عن تراجع الاهتمام الغربي بالشرق العربي، تظهر الأحداث الأخيرة في المنطقة أن الهيمنة على هذا الشرق وإخضاع قوى التحرّر والاستقلال في بلدانه ما تزال هدفا مركزيا حاسما لدول الهيمنة واللصوصية في العالم، ولا سيما غرب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وهذا أمر أكدته الأحداث المتلاحقة خلال العقود المنصرمة، وكذلك في السنوات الأخيرة، حيث استمر الاهتمام الأميركي والغربي بإبقاء مخالب الهيمنة الاستعمارية وقنواتها في جميع بلدان المنطقة، وبالسعي لحماية وتعزيز شراسة القاعدة الصهيونية المتقدمة بوصفها المخلب الاستعماري الرئيسي لإخضاع البلدان العربية ومواصلة نهبها بأسواقها وثرواتها.
تنوعت وتحوّلت أنماط النهب والتدخّل والسيطرة على البلاد العربية لإبقائها في حظيرة الهيمنة الاستعمارية خاضعة مستسلمة. وقد كانت غزوة التكفير أشرس الحملات التي رعاها الاستعمار الغربي بقيادته الأميركية لاستنزاف المنطقة وإخضاعها كليا. ومن الواضح جدا أن توازن القوى الذي أنتجته المواجهات والمعارك الضارية بين معسكر الهيمنة وقوى التحرّر والمقاومة في المنطقة وصل الى نقطة من الاستعصاء. حيث رُدعت الآلة الاستعمارية الصهيونية دون بلوغ محور المقاومة والتحرّر لتخوم الانتصار الحاسم والنهائي. وعند هذه النقطة يستمر الصراع ويتجدّد بوتائر متحرّكة، وفي سائر ساحات النزال.
ثالثا: في هذا المناخ تتحدّد مصلحة شعوب الشرق في حسم الصراع وحشد الطاقات والقوى لمواجهة كبرى تُخرج الشرق من قبضة الاستعمار والصهيونية، وتطلق مسار التحرّر والتنمية والاستقلال لمصلحة شعوب وبلدان الشرق. ومن هنا نقول إن معركة التحرّر التي نعيش مخاضها سوف تطول. وليست نزهة عابرة في مسارنا التاريخي. وهي توجب علينا الاستعداد لحرب طويلة الأمد تنتهي الى انتصار كبير، يُسقط الهيمنة اللصوصية، ويستأصل الغدة السرطانية الصهيونية من قلب هذا الشرق.
إن هذه الأهداف الكبرى هي صلب معركة التحرّر القومي والوطني في البلاد العربية. ووجود حليف كبير كجمهورية إيران الإسلامية في قلب هذا الشرق يرفع من حظوظ عوامل انتصار تاريخي، يستدعي الكثير من التضحيات، وزمنا غير قصير من المعارك، التي يُفترض أن يخوضها الشعب العربي على جبهات الصراع في المنطقة، لإنجاز تحرّرها من الهيمنة الاستعمارية الغربية ومن الاحتلال الصهيوني. ولذلك فإن الأمر يرتبط بإنجاز مهمة تاريخية كبرى وعظيمة، لن يكون في متناول شعوب المنطقة تحقيقها إلا بالوعي وبالتنظيم والتضحيات السخيّة.
وبهذه الروح سننتصر في معاركنا الموصلة الى ذلك الغد المحتوم، فالروح هي التي ستقاتل، كما قال القائد الشهيد عماد مغنية.